للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال علماؤنا: "والفَرْقُ بين الإنابة والتوبة أن الإنابة رُجُوعُ مُسْتَحْيٍ

ممَّا اقترف، والتوبةُ (١) رُجُوعُ خائفٍ ممَّا اجترم" (٢).

﴿وَأَسْلِمُوا﴾؛ أي: أَخْلِصُوا له بعد الإنابة، وكُونُوا على أسباب السلامة، واجتنبوا ورطات الهلكة؛ من قبل أن ينزل عليكم العذاب بغتةً في الدنيا أو بالموت.

ومن "فوائد أبي سَعْدٍ الشهيد": "إنَّ قوله: ﴿يَاعِبَادِيَ﴾: مَدْحٌ، وقوله: ﴿أَسْرَفُوا﴾: ذَمٌّ، فلمَّا قال: ﴿يَاعِبَادِيَ﴾؛ طمع المطيعون في النداء، ونَكَسَ العاصون رؤوسهم، فلمَّا قال: ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾، انتعشت قلوب العصاة ورفعوا رؤوسهم، ثم أكد القصة بقوله: ﴿عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾؛ لأنَّ الذنب لا يعود إلَّا على صاحبه، ولا يؤذي به إلَّا نفسه، والله غَنِيٌّ عن الطاعة، مقدَّس عنها وعن المعصية، وزاد الأمر فضلًا فقال: ﴿يَغْفِرُ الذُّنُوبَ﴾، وهذه الألف واللَّام لاستغراق الجنس، ثم أكَّد الحال تأكيدًا على تأكيد بقوله: ﴿جَمِيعًا﴾ " (٣)

وقد قال الله مُخْبِرًا عن قَوْمٍ دَرَجُوا على الوفاء، ولزموا حال الصفاء، وقاموا بحَقِّ الاستيفاء، وبذلوا أنفسهم لله تعالى واستمرُّوا على الطريق، وطالبوا قلوبهم بالتحقيق، وأخذوها (٤) في سبيل التضييق، وحاسبوها بالتدقيق، فما زاغوا عن طريق الجَهْدِ، ورَاعَوا حقوق العهد، وسَلَّمُوا


(١) في (ك) و (ص) و (ب): التائب.
(٢) لطائف الإشارات: (٣/ ٢٨٨).
(٣) ينظر: لطائف الإشارات: (٣/ ٢٨٧).
(٤) في (د): في خـ: أمرُّوها.