بالعلم والعقل، هذا نَظْمُه، وهذا تأليفه، لهذا أدخل القاضي أبو بكر في اسم "الدَّيِّنِ" معاني العلم والإيمان والإسلام.
ويَنْتُجُ عن هذه الأسماء اسم "القارئ"، فعلى قَدْرِ قراءته يكون عِلْمُه وإِيمَانُه وإسلامُه ودِينُه وتَوْحِيدُه.
فإن كان ملازمًا لقراءة القرآن؛ قائمًا به آناء الليل وأطراف النهار، استوجب اسم "العابد"، وهو الذي تذلَّل لربه في شأنه كله، وبالقرآن يكون، وبه يصير، وبه يرتفع؛ في الدنيا والآخرة.
فإذا ترقَّى في عبادته من الإيمان والإسلام إلى مقام المشاهدة فهو "المُحْسِنُ"؛ وهو الذي يرقب عمله، ويلحظ اطِّلاع ربه عليه، فيُجَوِّدُه ويُتَمِّمُه، ويُرَقِّيه من كل نقص، ويبعده عن كل عيب، ويُخَلِّصُه ليكون على وَفْقِ الهدى والصلاح.
وعلى قَدْرِ إخلاصه يكون إحسانه؛ فإنَّ كل عمل خلص من الآفات فهو حسن، فالعابد المحسن هو "المخلص".
والمخلص هو "الصادق" في عبادته، "الصادق" في إيمانه وإسلامه وتوحيده، وهو "الصالح"، فإن ترقَّى في صلاحه وتمادى في صِدْقِه كان صِدِّيقًا.
وهذه الأسماء:"العابد"، و"المحسن"، و"المخلص"، و"الصادق"، و"الصالح"، و"الصِّدِّيقُ"؛ مرتبطةٌ بعضُها ببعض، متجانسة متشابكة، فإذا جمعها المسلم كان مجاهدًا، وبالمجاهدة يبدأ أمرَه، وبها يستمر، وبها تكون خاتمته، وعوَّل في معنى المجاهدة على ما قرَّره الصوفية، فذَكَرَ جهاد النفس، ولم يَذْكُرْ جهاد السيف، ميلًا إلى ما حقَّقوه، ورَوْمًا إلى ما دقَّقوه.