ثم شرع في ذِكْرِ مجموعة أخرى من الأسماء، تكون مماثلة للتي تقدَّمت، على نمط من التسلسل والتعلق والتداخل، فذكر اسم "المصلي"، والصلاة عنوان الصلاح، فتعلَّق "المصلي" ببعض هذا الاسم، ولا يكون مُصَلِّيًا حتى يكتسب صفة مدافعة النفس والشيطان، وهي المجاهدة.
ومن جملة الصلاة الذِّكْرُ والدُّعَاءُ، فالمصلي هو "الذاكر""الدَّاعي"، وعلى قَدْرِ ذِكْرِه ودُعَائِه يكون قُرْبُه من رَبِّه، ولارتباطهما جَمَعَهُمَا مع بعضهما البعض.
وكما أن الصلاة نعمة البدن، فالزكاة نعمة المال، لهذا قُرِنَا في الحديث؛ عند ذِكْرِ فرائض الإسلام، ونَاسَبَ أن يكون اسم "المُصَّدِّقِ" تاليًا لاسم "المصلي"، ولم تَقَع المُهْلَةُ في التعقيب، وإن كان ذلك واقعًا صورة لا معنى؛ إذ الذِّكْرُ والدعاء من جملة الصلاة، فلم يكن بينها وبين اسم "المصدق" تَرَاخٍ ولا مُهْلَةٌ، وإنما هو من باب تعقيب البعض على الكل، وذِكْرِ الفرع بعد الأصل، ولمَّا كان ذلك صحيحًا شَاكَلَهُ أن يكون على وِزَانِ التَّقْفِيَةِ والتَّتْلِيَةِ، فكان اسم "المصدق"، وبعده "المُزَكِّي"، إذ هما أخوان، وإن تَلَاوَمَا في الحروف؛ فالزكاة صدقة، والصدقة زكاة.
ولا يتلوهما - أي: الصلاة والزكاة - إلَّا الصيام، فيكون اسم "الصائم"؛ لأن الصلاة لا تقوم أتم القيام بشُكْرِ نعمة البدن، فيحتاج أن يكون صائمًا ليقوم بشكر ما فَضَلَ، والنظر هنا إلى الغذاء، وهو مادة الحياة، وبه قِوامها، فناسب أن يكون مُتَمِّمًا للشكر، قائمًا بما نقص عنه.
ويلتحق بالصوم الاعتكاف، وهو تَرْكُ ما سوى الله من الشهوات والمباحات، والإقبال عليه بالطَّاعة، فإن أضاف إليه تَرْكَ الأهل والولد