للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نواجذه، تصديقًا لقول الحَبْرِ، ثم قرأ رسول الله: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] (١).

وهذا أَحْقَرُ عنده من تصريف حبَّة خردل في كَفِّكَ، ولكن لا يمكن ضَرْبُ المثل لك إلَّا كذلك، ولا تَضِيقُ قدرته على أن يخلق أمثال هذا العَالَم، نعم؛ ولا أكمل منه، خلافًا للصوفية (٢) الذين يقولون: "لا أكمل من هذا"، وهو نَحْوٌ (٣) فلسفي لا يُساوي سماعه، وقد بيَّنَّاه في "المشكلين".

وهو الجليل الجميل (٤)، وجماله وجلاله تَنَزُّهُه عن النقائص والآفات، وتَقَدُّسُه عن صفات المُحْدَثات، وهذا الجمال هو الكمال عن النقائص، فإذا نَزَّهْتَه فقل: هو الذي لا مِثْلَ له، ولا تقل: لا ضِدَّ له؛ لأنَّ الضِّدَّيْنِ إنَّما يتضادَّان على المَحَلِّ، ولا يُتَصَوَّرُ وجود الباري في مَحَلٍّ مع المُحْدَثِ، فلا يتصور التضاد.

فإذا قلت: لا ضِدَّ له؛ أَوْهَمْتَ أنه إذا حَلَّ بمَحَلٍّ لم يَقُمْ به غيرُه، بل هو الصمد الذي لا يتجزَّأ، ولا يتعدَّد، ولا يتقلَّص، ولا يتمدَّد، ولا يزيد، ولا ينقص، ولا يخرج عن حُكْمِه أَحَدٌ، ولا يُوجَدُ من دونه مُلْتَحَدٌ، القادر


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾، رقم: (٤٨١١ - طوق).
(٢) يقصد به شيخه الإمام أبا حامد، وقد استوفى الرد على مقالته تلك في كتاب الأمد الأقصى - بتحقيقنا -: (٢/ ٣٩٤ - ٣٩٧).
(٣) في (ك) و (ب): بَحْرٌ.
(٤) في (د) و (ص): الجميل الجليل.