للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أن يوسف طلبهم بالإتيان بأخيه، والتفريق (١) بينه وبين أبيه، وقد عَلِمَ أنَّ ذلك له أفجع، وتَحَقَّقَ أنَّ نُكْأَ (٢) القَرْح بالقَرْحِ أوجع.

وقد اختلف النَّاسُ في ذلك على أربعة أقوال:

الأوَّل: أن ذلك فَعَلَه بإِذْنٍ، وكانت الحكمة فيه أن الله أراد مضاعفة البلاء بالفراق على يعقوب؛ ليكون لأجره أعظم.

الثاني: قال بعضهم: ليكون إلى الفرَج أقرب، ومن أمثالهم: "اشْتَدِّي أزمة تَنْفَرِجِي" (٣).

الثالث: تَعَارُضُ شوق الأب والأخ، وكان الأب قد استمتع به مدة، فأراد الأخ أيضًا أن يأخذ بحظه من لقائه، والتشفي برؤيته من رُوَائِه (٤).

الرَّابع: أن يوسف تَلَطَّفَ في استحضار أخيه بوَجْهٍ من الترغيب فيما يعود بمَنْفَعَهٍ على أبيه (٥).

والذي أعتقده أن ذلك كان بوَحْي من الله، أَذِنَ له في أخذه بالحِيلَةِ، وعَلِمَ أن عند يعقوب من الصَّبْرِ أضعاف ذلك، وأنه لا يدخل عليه بفَقْدِ الأخ ما دخل عليه بفَقْدِ يوسف، أَلَا ترى تحقيق ذلك في قوله حين رجعوا إليه دونه: ﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ﴾ [يوسف: ٨٤].


(١) في (ص) و (ب) و (ك): فرق.
(٢) في (د): بكاء.
(٣) أخرجه القضاعي (١/ ٤٣٦، رقم ٧٤٨)، والديلمى (١/ ٤٢٦، رقم ١٧٣١)، قال العجلونى (١/ ١٤١): "رواه العسكرى والديلمى والقضاعى بسَنَدٍ فيه كذَّاب". وعمله يوسف بن محمد التُّوزَرِي - المعروف بابن النحوي - مطلعًا لقصيدته الذَّائعة، نسبها له في الذيل والتكملة: (٥/ ٣٥٦)، ونيل الابتهاج: (ص ٥٨٣)، ونسبها ابنُ السبكي في طبقات الشافعية: (٨/ ٥٦) إلى أبي الحسن يحيى بن العطَّار القرشي الحافظ، والأوَّل أرجح.
(٤) لطائف الإشارات: (٢/ ١٩٢).
(٥) لطائف الإشارات: (٢/ ١٩٢).