للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورتَّب صاحب "المَجسْطِي" (١) كتابه على هذا، وعوَّل على الحساب الذي يؤديه إلى معرفة كسوف الشمس والقمر، فإنَّ ما وراءه لم يقدر عليه أبدًا، ورتَّب مقدمات ونتائج على سبيل البرهان، ثم لمَّا عجز قال: "رصدتُ فوجدتُ، ورصد فلانٌ فوجد" (٢)، فخلَّط برهانًا حسابيًا بدَعْوَى رَصْدٍ، تَرِكَّبَ على غير سَنَدٍ، وأقام (٣) دون عَمَدٍ، وهذا لا يصل المرء إلى إبطاله أو إلى صحته أو إلى الشك فيه إلَّا بعد عُمْرٍ طويل في النظر فيه، ولأيِّ معنى بفعل الحازم ذلك؟ وأي فائدة له فيه؟ وحكمة الله بعد الإحاطة بذلك كله لا تُدرك، وما ظهر إلينا وعاينَّاه من آياته وآثَارِ قدرته فيها أوضح مسلك، فما وراءها إلَّا كل مَغْوَاة، مَهْلَكٌ له موعد، وليس دون الله مُلْتَحَدٌ.

وممَّا يتعيَّن على كل مسلم أن يشهد به - ما يُكَذِّبُونَه بأجمعهم - ما ثبت في الصحيح سَنَدًا، وهو متواتر نقلًا؛ فإنَّ الله تعالى يقول: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ [القمر: ١]، قال عبد الله بن مسعود: "انشق القمر؛ وذلك حين سألت كفار قريش رسول الله آية، حتى رأيتُ حِرَاءَ من بين فِلْقتَي القمر، فقال النبي : اشهدوا" (٤)، وهذا ممَّا يستحيل عند أرباب الهندسة قولًا، ويَرَوْنَ أن هذا - إن صحَّ - كان تَخْيِيلًا؛ إذ الهيئة لا تتبدَّل أبدًا، وهذا هو الحاجز بين الإلحاد والإيمان، وقد أقمنا عليه في كتاب


(١) المَجَسْطِي: هو الكتاب الذي وضعه بَطْلَيْمُوسُ الحكيم في عِلْمِ الهيئة، وعُرِّبَ في زمن المأمون، تاج العروس: (٢٠/ ٩١).
(٢) العواصم: (ص ١٧٢).
(٣) في (ك) و (ب): قام.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾، رقم: (٤٨٦٤ - طوق).