للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومِنَ السماوات مَرْئِيٌّ، وهو الكوكب، وذاتُ السماء لا يراها أحد، وإنَّما الذي يُرى هو مُنْقَطَعُ البَصَرِ، وما وراءها غير معلوم، أكثر من أن الأنبياء أخبرت عن الله أن الشمس والقمر والنجوم في أفلاك تَجْرِي بأمر الله، فما رأيناه حق، وما أُخبرنا به صدوا، وما وراءه:

تخَرُّصًا وأحاديثًا (١) مُلَفَّقَةً … ليست بنَبْعٍ إذا عُدَّتْ ولا غَرْبِ (٢)

فرَأَوا من رأيهم الشَّطير وعقلهم الفَطِير أن يَرْكَبُوا أفلاك الدراري السبعة باختيارهم، فأجمعوا على أن القمر أقربُها إلينا، وأن زُحَلًا أبعدُها عنَّا، وسائرهما (٣) بينهما، واحدٌ فوق آخَر، وقد بيَّنَّا فساد الترتيب على هذا النظام للموجودات في كتاب "العواصم" (٤).

ويحتمل أن يكون ما قالوا، ولكن الذي تصوَّروا فيه من غير ظن، لا نقول من غير برهان؛ فإنه لم يكن معهم قطُّ - لحظةً من الدهر - أمران:

أحدهما: قولهم: "إنَّ السماوات هي الأفلاك"، وهذه دعوى لا سبيل أبدًا إلى إثباتها بخبر ولا نظر، لا على رأيهم وطريقتهم، ولا من غَيْرِ ذلك.

الثاني: ترتيب هذه الأفلاك واحدًا بعد آخَرَ، حتَّى يكون فَلَكُ القمر في حَيِّزٍ أقرب إلى رؤوسنا، وزُحَل أبعد من سواه منَّا، فهذا وإن كان كلٌّ منهم قد تعرَّض له.


(١) في (ص): أحاديث.
(٢) من البسيط، وهو لأبي تمام من قصيدته التي يذكر فيها عَمُّوريَّة، ديوانه: (١/ ١٧٢).
(٣) في (ك) و (ص) و (ب): سائرها.
(٤) العواصم: (ص ١٣٣ - ١٣٤).