للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلقيني في الطريق من أخبرني أن صاحبَنا أبا المعالي المَيَّافَارِقِي وَجِعٌ (١)، فقلتُ: أَعُودُه في طريقي، فدَخَلْتُ عليه فأَلْقَيْتُه مُضْطَجِعًا على نِطْعٍ، تحت رأسه حَجَرٌ، وهو في نِهَايَةٍ من الضعف، وثِيَابُه التي يختلف (٢) بها إلى المجلس موضوعة في طَاقٍ، فسألتُه عن حالته، فكَشَفَ لي عَوْرَةً من الفَقْرِ والألم ما سمعتُ من أَحَدٍ بأعظم منها، فقلت: لا أَطْلُبُ أَثَرًا بعد عَيْنٍ، فخرجتُ إلى الطبيب؛ وأَعْلَمْتُه بحاله وضعفه، فذَكَرَ دواء وغذاءً، وابتعتُ له فَرُّوجًا، وجئته بالدواء فاستعمله، ثم جئته بالفرُّوج وتَكَلَّفْتُه له، وتناول منه، ودَفَعْتُ إليه بَقِيَّةَ الذهب، وجئتُ إلى داري بغير شيء، وأَزْمَعْتُ على إعلام أبي بالحال، وقلت: عندنا كُتُبٌ (٣) وثِيَابٌ (٤)، وننتظر خَيْرًا، ورَأَيْتُ رَجُلًا لا ملجأ له، وتعيَّن عليَّ فَرْضُه، فلم يكن بُدٌّ من أدائه، فلمَّا جِئْتُ بابَ داري إذا عليه أبو القاسم بن أبي حامد بن عمر؛ فتًى من أبناء (٥) البلد، ومن أصحاب الخليفة، كان يقرأ معي، وكان مُخْلِصًا لي، فسَلَّمْتُ عليه ورَحَّبْتُ به، وقلت له: ما جاء بك وهذا افتراقُنا في المجلس؟ فقال: أردتُ تجديد العهد بك، فدخلنا وجلس في العَرْصِ (٦) معي؛ حيث كانت


(١) قبله في (د): أصاله، وضرب عليه.
(٢) في (ك) و (ص) و (ب): يتصرف، ومرَّضها في (د)، والمثبت من طرقه.
(٣) سقطت من (ص).
(٤) في (ب) و (ك): ثياب وكتب.
(٥) في (ك) و (ص) و (ب): تُنَّاءِ.
(٦) في (ك) و (ص) و (ب): العُرْضِي، ينظر في معنى العَرْصِ تاجَ العروس: (١٨/ ٢٨).