للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحبة الزهاد، والتنقل من رِبَاطٍ إلى رباط، أربعين عامًا، ثم وَزَرَ أربعين عامًا، وأَمْرُه ترونه في كتاب "ترتيب الرحلة للترغيب في الملة" إن شاء الله.

وهو الصاحب الأجل السيِّد، غِيَاثُ الدولة، سيد الوزراء، رَضِيُّ أمير المؤمنين؛ أبو علي حسن الخراساني، خواجا بُزُرْك، يعني: السيِّد الكبير، فلمَّا انتهى إلى منزلة الوِزَارَةِ (١) - بصورة طويلة - رَعَى ما كان فيه من الفقر والحاجة، واشتمل على الفقهاء والصوفية، وجذب بضَبْع الكُلِّ إلى الدولة، وقام على تربية المُلْكِ بأحسن السياسة، وأَوْسَعَ عَدْلًا الرياسة، حتَّى قال الناس: إنه لم يَزِرْ بَعْدَ بني بَرْمَكَ مِثْلُه.

وكان (٢) عالمًا مُوَحِّدًا، وبَنُو بَرْمَك ملحدون، وكان هذا يسمع الحديث؛ فإنه كانت له رواية عالية، ولم يَبْقَ بَلَدٌ (٣) حَاضِرٌ بخراسان ولا بالعراق إلَّا بنى فيه المدارس للفقهاء، والرِّبَاطَاتِ للصُّوفية، ورتَّب لهم، وأَدَرَّ الأرزاق عليهم، واشترى لهم الدواوين في كل بلد، وحبَّسها على الطلبة (٤)، ووظَّف لهم الوَرَقَ للنَّسْخِ، وأثبت في ديوان كل بلد عَدَدَ من فيه من عالم وطالب، أو شيخ للصوفية أو مُرِيدٍ، وفَرَضَ لكل أحد ما يليق به ويصلح له؛ بالشام، والعراق، وخراسان، وما وراء النهر جَيْحُون، فتألَّف من ذلك سِتُّ مائة ألف دينار في العام، سوى ما يَخُصُّ الأعيانَ منهم؛ من الصِّلات الوافرة، والكُسَا الظاهرة، ويتلقَّى به الوافدين، فيَذْكُرُ جميعُهم


(١) في (د): في خـ: الوزراء.
(٢) بعده في (ك) و (ص) و (ب): هذا، وضرب عليه في (د).
(٣) سقط من (ب).
(٤) قوله: "ورتَّب لهم، وأَدَرَّ الأرزاق عليهم، واشترى لهم الدواوين في كل بلد، وحبَّسها على الطلبة" سقط من (ص).