للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه كان يُخْرِجُ في ذلك بَيْتَ مال في كل عام، فائتلفت القلوبُ على محبتهم (١)، وعمِرَتِ المساجد والرِّباطات بالدعاء لهم والثَّناء عليهم.

وسَارَ ذِكْرُ الوزير والأمير مسيرة (٢) الشمس والقمر، وصاب على الآفاق صَوْبَ المطر، وتَأَرَّجَتْ به الدنيا تَأَرُّجَ الإِنَابِ والقُطَرِ، وارتاحت إليهما النفوس ارتياحها بنَسِيم السَّحَر، فألقى الحُسَّادُ في أُمْنِيَةِ المَلِكِ أن الوزير يُفْسِدُ عليه في كل عام بيت مال، على قَوْم لا تنتفع بهم الدولة، ولا يعتضد بهم المُلْكُ، وأنَّ هذا المال لو عاد به المَلِكُ على جُنْدِه أو على ثُغُورِه لكان ذلك أنجع، وأَعْوَدَ على المُلْكِ بالعائدة وأنفع، وأَصْوَبَ في مدارك الرأي وأوقع، فاستدعاه وشافهه، فبكى نِظَامُ المُلْكِ وقال له: أيُّها المَلِكُ عَلِمْتَ ظُؤُورَتِي (٣) لك، وتَحَقَّقْتَ خِدْمَتِي لأبيك، وتيقَّنت تَرْبِيَتِي (٤) لمُلْكِك؛ جَلْبًا ودَفْعًا، وعائدتي بصحيح النظر له؛ فيما وقى ضُرًّا، أو جَلَبَ نَفْعًا، وأنا شيخ فَارِسِيٌّ؛ لو نُودي عليَّ فيمَنْ يَزِيدُ ما بَلَغْتُ خمسة دنانير، وأنت غلام تُرْكِيٌّ؛ لو نُودِيَ عليك ربَّما بَلَغْتَ عشرين دينارًا، أو الغاية ثلاثين، وليس لنا عَمَلٌ يصعد إلى الله بصلاحه، بكَلِم (٥) طَيِّبٍ يرفعه، وإنَّما نحن أبناء الدنيا؛ أعددنا أمدادًا، وحشدنا أجنادًا، بسلاح (٦) قصيرة، لها آماد محصورة، ولم تصحبهم تقوى، ولا تفكَّروا في العُقْبَى، وهذا الجَيْشُ (٧) الذي أَقَمْتُ لك يَسْرِي إذا هَجَعَ النَّاسُ، ويمشي إذا وقفوا،


(١) في (ص): محبته.
(٢) في (ك) و (ب): مسير.
(٣) الظؤورة: العاطفة والمحبة، تاج العروس: (١٢/ ٤٦٠).
(٤) في (ك): ترتيبي.
(٥) في (د): كلم.
(٦) في (ك): بصَلاح.
(٧) في (د): الخيش.