للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإذا الحبيبُ أتى بذنب واحدٍ … جاءت محاسنُه بألف شفيعِ (١)

وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ [الأعراف: ٤٠]؛ لمَّا تعاظموا لم يُرفع لهم عمل ولا رُوح إلى السماء، وأُخِذَ بهم أسفل سافلين، ولا يُسمع لهم دعاء ولا نداء، بل يكون ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾، ﴿لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦]، سَدَّتِ الذنوبُ عليهم الطرق، وأحاطت بهم الخطيئات، فأحاط بهم العداب، صُرِفُوا عن دار السعادة، واستُفِلَ بهم عن مكان السَّادة.

وكذلك قال الله (٢) فيهم: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف: ١٤٦]، لمَّا تراكم الرَّيْنُ على قلوبهم صاروا مُعْرِضِينَ عن الآيات، وأَصْلُه تَعَاظُمُ النفوس، فلم (٣) يخلق لهم القبول لما يسمعون، وأفادهم ذلك جحود الحق بعمى الحق، حتى إذا رأوا سبيل الرشد لم يسلكوه، وإذا رأوا سبيل الغي سلكوه، وهذا لأن الرؤية لا تكون إلَّا مع التوفيق؛ لمعرفة الحق حقًّا والباطل باطلًا.

والجاحدُ للحق مع تحققه به أقبحُ حالًا من جاحده مع خفائه عليه، ولهذا سلبهم محبته، فقال: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ [النحل: ٢٣]، وإذا وجبت لهم بُغْضَتُه حقَّت عليهم لَعْنَتُه، وأسكنهم دار عذابه بعد أن توفَّاهم على حال خِزْيِهم وهوانهم، فيُنْكِرُونَ أنهم ما عملوا سُوءًا، فيُكَذِّبُهم الله والملائكة والجوارح والخلق.


(١) من الكامل، وهو لابن نباتة مع بيت آخر في ديوانه: (ص ٣١٢).
(٢) لم يرد في (ك).
(٣) في (ك) و (ص): فلا.