للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك الذين دَنَّسُوا يقينهم بإعراضهم عن الطاعات؛ إذا نزلت بهم الآفات (١) أخذوا في الجزع والتضرع، وأيقنوا بأنهم مُعامَلون بما عامَلوا، مَجْزِيُّونَ بما اقترفوا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلَّا أحصاها، وإذا داموا على الأعمال السيئة وتكبَّروا عن الأعمال الصالحة وتعاظموا على (٢) القبول لم يُؤْمَنْ عليهم سوء الخاتمة، حين لم يتدبَّروا القول، وحال بينهم وبينه الكِبْرُ، وتأخَّروا عنه القهقرى، فأُخِّرُوا إلى وراء الوراء، وكانوا يأتون بهُجْرِ القول بَدَلًا من القول الحق، فأسمعهم الله من ملائكته المُتَنَاوِلَةِ لهم من قُبْحِ القول وغِلْظَتِه (٣) ما كان فيه وحده هَلَاكُهم.

ومن رؤوس المتكبرين من قال: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، فانظروا إلى هذا الحجاب العظيم الذي أُلْقِيَ عليه، فاعتقد أنه يُحْيِي ويُمِيتُ، أو أَلْبَسَ بما عَلِمَ أنه مُحَالٌ، ليَحُوطَ مُلْكَه، ويَحْمِي قلوب العامة في اتِّباعه، ورأى أن القَدْرَ الذي سلَّطه مالكُ الأعيان عليه ومكَّنه خالقُ الأشياء منها بذلك استحقَّ أن يكون هو المقصود وحده، والإله المعبود دون غيره.

ونَسِيَ أوَّلَه وآخِرَه وحاله التي هو عليها، وغفل عمَّا خرج عن يده، حتى نبَّهه العَالِمُ بالله وبه عليه، فقال له: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾.


(١) في (ك) و (ص) و (ب): الوفاة، ومرَّضها في (د)، والمثبت من طرته، وصحَّحه.
(٢) في (ك): عن.
(٣) في (ب): غلظه.