للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العاشر: الاجتهادُ آخِرَ العُمُرِ لمن فاته أوَّلُه، أو لمن لم يَفُتْه، فأمَّا من فَاتَهُ؛ فنِعْمَ النعمة الإلهام للاستدراك، وإن لم يكن مُقَصِّرًا في أَوَّلِ أمره فما أحسن اتساق الآخِر بالأوَّل، وانتظامه معه واختتامه به (١)!

رُوِيَ أن أبا مسلم الخَوْلَانِي زاهد الأمة حيث كَبِرَ ورَقَّ؛ قال له قائل: "لو أقصرت عما تصنع؟ فقال: أرأيتم إذا أرسلتم الخيل في الحَلَبَةِ، ألستم تقولون لفارسها: ارفق، حتى إذا رأيتم الغاية تسابقتم؟ قالوا: بلى، قال: فإني قد رأيتُ الغاية" (٢).

الحادي عشر: ألَّا تمر عليه لحظة هي لغير الله، فإنَّ عُمُرَه ساعاته وأوقاته على تفاصيلها معدودٌ عليه ذلك كله في النِّعَمِ (٣)، مسؤول عنه ما صنع فيه.

الثاني عشر: ألَّا يصحب إلَّا من يكون على هذه الطريقة، يُروى في "الزهد": "أن أبا مسلم الخولاني دخل المسجد فرأى قومًا قد اجتمعوا جلوسًا، فرجا أن يكونوا على خير، فجلس إليهم، فإذا بعضهم يقول: قَدِمَ لي غلام، فأصاب كذا وكذا، وقال آخر: وأنا قد جهَّزتُ غلامًا، فنظر إليهم فقال: سبحان الله، هل تدرون ما مَثَلِي ومَثَلَكم؟ كمَثَلِ رَجُلٍ أصابه مطر غزير وابل، فالتفتَ فإذا هو بمِصْرَاعَيْنِ عظيمين (٤)، فقال: لو دخلتُ هذا البيت حتى يذهب عنِّي المطر، فدخل فإذا بَيْتٌ لا سقف فيه، جلستُ


(١) سقطت من (ص).
(٢) الزهد لابن المبارك: (٢/ ٨٥٩).
(٣) في (ك): النعيم.
(٤) في (د): عظيم.