للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قال المغيرة بن شعبة: "بعثني رسول الله إلى نَجْرَانَ، فقالوا لي: ألستم تقولون: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ﴾ [مريم: ٢٨]، وقد كان بين عيسى وموسى ما كان، فلم أَدْرِ ما أُجِيبُهم، فرجعت إلى رسول الله فأخبرته، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يُسَمَّوْنَ بأنبيائهم والصالحين من (١) قبلهم" (٢)، وهذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ.

فلمَّا قابلوها بهذا الكلام أشارت لهم إليه، وأحالتهم عليه، قالوا لها: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩]، فإمَّا سَأَلُوهُ، وإمَّا بَدَأَهُمْ، فقال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٠ - ٣٢] فلمَّا تكلَّم عيسى فقال: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ﴾، برئت ساحتُها، وتحقَّقت عِفَّتُها ونزاهتُها (٣)، وظهرت كرامتُها ومرتبتُها (٤).

وفد روى المُفَسِّرُونَ: "أنه تكلَّم في المَهْدِ أربعة؛ عيسى بن مريم، وابن ماشطة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جُرَيْج"، وقد بيَّنَّا في "كُتُبِ (٥) التفسير" من "الأنوار" وغيرها: أنهم نَقَصَهُمُ اثنان:

أحدهما: صاحب الأُخدود؛ فإنَّ أهل الأخدود لمَّا قُذِفَ بهم في النار توقَّفت امرأة منهم في ذراعها صبي، فقال لها الصبي: "يا أُمَّه اصبري، إنك


(١) سقطت من (ك) و (ص).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، (٢١٣٥ - عبد الباقي).
(٣) في (د): براءتها.
(٤) سقطت من (ك).
(٥) في (ك) و (ص) و (ب): كتاب.