للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رُطَبًا من جِذْعِ يابس، وكان في هذا أوضح الأدلة على أن الله لا يُضِيعُ الصالحين؛ فإنه إذ كان لمريم من يتعهَّدها جَرَتْ على عادتها، فلمَّا عَدِمَتِ العادة تولَّى الله لها الكفاية، ولم يَكِلْها إلى نفسها (١).

ثم قال لها: ﴿فَكُلِي وَاشْرَبِي﴾، وتلك حاجة الإنسان وضرورته، ﴿وَقَرِّي عَيْنًا﴾ بحالك وبوَلَدِك، ولا تُبَالِي عن أَحَدٍ من الخلق، ﴿فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا﴾ فلا تُكَلِّمِيهِ (٢) بحال.

وهكذا يجب أن يكون الأولياء إذا كانوا مع الله على حالة حسنة، يجب ألَّا يُبَالُوا بأحد من الخلق.

قيل لها: عَرِّفِيهِمْ بالإشارة أنك صائمة، وكان صومهم ترك الكلام، فلمَّا أتت به قومها تحمله بَسَطُوا عليها لسان الملامة، وقابلوها بقول المُوَبِّخِ، وعظَّموا عليها الحالة، وقالوا لها: ﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٧]، يعنى: أَمْرًا قَطَعَكِ عن حالتك المعهودة، وصفتك المعروفة، يا أخت هارون في الصلاح والخير، ما كان أبوك امرَءًا رَدِيًّا، ولا كانت أمك بَغِيًّا، فمن أين وَرِثْتِهِ؟

وهذا يدلُّك (٣) على أن الأخلاق مُكْتَسَبَةٌ من الأعراق، كما تُكْتَسَبُ من الاختلاط والصحبة.

فعن المرء لا تَسَلْ وسَلْ عن قرينه (٤) … فكلُّ قَرِينٍ بالمقارن يقتدِي


(١) لطائف الإشارات: (٢/ ٤٢٥).
(٢) في (ك) و (د) و (ب): تكلمه.
(٣) في (ك) و (ص) و (ب): يدل، وما أثبتناه أشار إليه في (ك).
(٤) قوله: "فكل قرين بالمقارن يقتدي" سقط من (ك) و (ص) و (د).