للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمَّا ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾، فمعناه: وجب الدوام، وحقَّت العظمة للذي بيده المُلْكُ، يُصَرِّفُ المقادير، ويُدَبِّرُ (١) الأمور، وهو عليها قدير، وعلى كل شيء مُمْكِن سواها، الذي ابتلى الخلق ليختبرهم، إعلامًا للملائكة حالهم، ليظهر لهم شكرهم وكفرهم، وهو العزيز في ذلك كله، الغفور لذنوبهم على العموم، فإمْهَالُه للكفَّار نَوْعٌ من مغفرته، وحَطُّه ذنوب المؤمنين مغفرة ظاهرة.

وقوله: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، أي: وجب الدوام، وحقَّت العظمة؛ لمن دبَّر الجَنِينَ في الموضع المكنون، بتَصْرِيفِ الأحوال وانتقال الأوصاف، وقد ذَكَرَ خَلْقَ العرش والسماوات والأرضين (٢) والجنة والنار، ولم يُعْقِبْها بهذا المدح الذي عقبه خلق الإنسان في أطواره، وانتقاله في أحواله، تخصيصًا له من بين المخلوقات، وتمييزًا بأشرف الدرجات.

قال علماؤنا: "وإنَّما تمدَّح به لأنك لمَّا كنتَ أنت في تلك الخال عاجزًا عن مَدْح ما (٣) فعل فيك مَدَحَ هو نفسه" (٤).

قالوا: "وإن كان قال عن نفسه: إنه ﴿أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، فلقد قال عنك: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤] " (٥).

وقوله (٦): ﴿تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ﴾ الآية، مُرَتَّبًا بعد قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾، وقد بيَّنَّا


(١) في (ك): يدير.
(٢) في (ك): الأرضون.
(٣) في (ك) و (ص) و (ب): مَدْح لِمَا.
(٤) لطائف الإشارات: (٢/ ٥٧١).
(٥) لطائف الإشارات: (٢/ ٥٧٠).
(٦) في (د): قال.