للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن البركة تكون من الدوام والنماء، فدوام الله موجود؛ لأن وجوده لا عن استفتاح، ولا عن آخِرِيَّةٍ لذاته ولصفاته العلية، وجِهَةُ البركة مُنْبئَةٌ عن فضله وإحسانه، فهي كلمة تجمع بين الثَّنَاءَيْنِ؛ ثَنَاءِ الذَّاتِ، وثَنَاءِ الأَفعال.

فقوله: ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾؛ إِخْبَارٌ بما أَكْرَمَهُ به وفضَّله، وأَنْعَمَ عليه وأَحْسَنَ إليه، وقدَّمه على جميع الرُّسُلِ به؛ من إنزال الفُرْقَانِ القُرْآنِ عليه، فالفُرْقَانُ لجميع الأنبياء، والقرآن لمُحَمَّدٍ، أنزله عليه، وأرسله بشيرًا ونذيرًا للعالمين به، وآتى موسى الكتابَ ليُنْذِرَ به قومه، وآتى مُحَمَّدًا الكتابَ ليكون للعالمين نذيرًا، الذي تفرَّد بمُلْكِ السماوات والأرضين (١)، فليس فيها (٢) شيء إلَّا مخلوق (٣) بقُدْرَتِه، ومن زَعَم أن شيئًا يَشِدُّ عن قدرته فنَسَبَهُ إلى خَالِقٍ أو علَّقه بسَبَبٍ فهو كَافِرٌ؛ كالجَاحِظِ وسِواه (٤)، لا حيَّاه الله ولا بيَّاه.

وهو لم يتخذ ولدًا استظهارًا، ولا جاز أن يكون له مَحَلٌّ استقرارًا، ولا يمكن أن يكون له شريك في المُلْكِ؛ لأنَّ ذلك كان يعود على الخلق بالهُلْكِ، حسب ما بيَّنَّاه في أدلة التوحيد (٥)، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢]، وبيَّن ذلك تفصيلًا، فقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ


(١) في (ك) و (ص) و (ب) و (د): الأرض، ومرَّضها في (د)، والمثبت صحَّحه بطرته.
(٢) في (ب): بها، ولم ترد في (ص).
(٣) في (ك) و (ص) و (ب): مخلوقًا.
(٤) ينظر: المتوسط في الاعتقاد - بتحقيقنا -: (ص ٢٦١)، والأمد الأقصى - بتحقيقنا -: (٢/ ٢٩٤).
(٥) ينظر: المتوسط في الاعتقاد - بتحقيقنا -: (ص ١٣١ - ١٣٣).