للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فربَّما عُدْنا عليهم بإعادة الرجوع إلى التوبة لهم، وفي هذا دليل على أن الزلة لا تُحْبِطُ ثواب الطاعة (١)، وأن الباري يُظْهِرُ الطاعة بفضيلة النمو والزيادة، ويختم الأمر فيها بتيسير التوبة، فهذا رجاء أو وجوب.

ثم حقَّق ذلك بقوله: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٧]، وفيه ثلاثة أقوال:

الأوَّل: يريد أن يقبل توبتكم (٢)، فقبول التوبة واجب بإجماع من الأمة، فلا تلتفتوا إلى من يقول لكم: "إن صاحب التوبة في المشيئة"، فهو كاذب على الله.

الثاني: يريد به خطاب من تاب، دون من لم يَتُبْ.

الثالث: يريد به أن يتوب عليكم في الجملة، أي: يخلق فيكم التوبة ثم يخص بها من شاء، كما قال: ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ١٠٤]، وقد بيَّنَّاها في "كتب الأصول"، إذ لو أراد التوبة على العموم لكانت قطعًا؛ فإنه يستحيل ألَّا يكون ما يريد أن يكون.

يُحَقِّقُ ذلك قوله: ﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ [التوبة: ١٥]، وقد قال سبحانه: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٦]، وذلك فيما وقع منهم من المخالفة في وَطْءَ النساء في ليل رمضان بعد النوم، فكانت مخالفة تستوجب العقوبة، فعفا وتاب ورجع بهم إلى الإباحة بعد الحظر، وتلك تَوْبَةُ الله بالفعل، ورجعوا هُمْ إلى التزام الأمر، وعفا عمَّا دار بين الحالين،


(١) لطائف الإشارات: (٢/ ٥٩).
(٢) لطائف الإشارات: (١/ ٣٢٦).