للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشتَّان بين هذا القول في حُرْمَة عمر بن الخطَّاب حسب ما بيَّنَّاه في "الأحكام" (١)، وبين قوله لبني إسرائيل: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٣]، عَظُمت ذنوبهم وفَحُشت، فغُلِّظَتْ عقوباتهم وضُوعِفت، وتوبتُه عليهم بقبولهم لمَّا ألزمهم من ذلك، إذ خَلَقَ فيهم الرضى به والامتثال له، فقَتَلَ بعضُهم بعضًا، حتَّى نَزَلَ العَفْوُ.

قال علماء الزُّهْدِ: "فالتوبةُ قَتْلُ النفس كانت لبني (٢) إسرائيل بالمُحَدَّدِ، وهي لهذه الأمة بالتَّجَلُّدِ، فالمفروضُ على العباد أن تكون نفوسهم مقتولة؛ حتى لا تكون لها حياة في شهوة ولا راحة في لذة إلَّا بامتثال أمر الله، والتجرد لخدمته، والمحافظة لحدوده، والقيام بحقوقه، فكانت توبة بني إسرائيل قَتْلَةً (٣) في لحظة، وتوبةُ هذه الأمة في كل لحظة قَتْلَةٌ" (٤).

ليس من مات فاستراح بمَيْتٍ … إنَّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ (٥)

ووَجْهُ رحمته لنا قَبُولُه لتوبة الكل بعد اقتحام المخالفة وارتكاب الجُرْمِ.


(١) أحكام القرآن: (١/ ٨٩).
(٢) في (د): ببني.
(٣) سقطت من (ك) و (ص) و (ب).
(٤) لطائف الإشارات: (١/ ٩٢).
(٥) البيت من الخفيف، وهو لعدي بن رعَّلاء الغساني، في الأصمعيات: (ص ١٥٢)، ونسبه ياقوت في معجم الأدباء: (٤/ ١٤٤٦) إلى صالح بن عبد القدوس، وهو في لطائف الإشارات: (١/ ٩٢).