كان لكتاب "سراج المريدين" للإمام الحافظ أبي بكر بن العربي الأَثرُ الكبير في مؤلفات الأندلسيِّين، وكان له الحضور الوافر في كُتُبِ ومصنفات المشارقة، واستطاع الإمامُ أبو بكر أن يؤسس له مدرسة مستقلة في هذا الاتجاه، مدرسة تتميَّز بالميل نحو الأثر، والتعويل على صحيح الحديث، واجتناب التعمق في العبادة والسلوك، وتنزيه مقام الأنبياء عن مطاعن الجهلة والملحدين، وجَمَعَ حوله من خُلَّصِ تلاميذه - ممَّن أيقن بهذا الاتجاه - عددًا كبيرًا، كان لهم فضل بَثِّ مؤلفاته ونَشْرِها والقيام بحَقِّها، تعريفًا للأجيال القادمة بهذا الصَّرْحِ العِلْمِيِّ الكبير، والذي أظهر قُوَّةً وجَلَدًا وعزيمةً وقدرةً على الثبات في وجه المحن والفتن المدلهمَّة، وظلَّت كُتبه منارةً وموئلًا لكل من جاء بعده، فصارت كُتبه محور الدرس العلمي بالمغرب والأندلس، فكتابُ "الأحكام" و"القبس" و"العارضة" و"السراج" كانت قطب رحى الدراسات التخصصيَّة؛ كُلٌّ ومجال اشتغاله وبحثه.
وكان من أعلام هذه المدرسة الحافظ ابن بشكوال، وابن حُبَيش، والسُّهَيْلِي، وابن مَضَاء، وابن عُبَيد الله، وابن خَيْرٍ، وطبقة أخرى على نهجهم؛ كالحافظ ابن دحية، وابن خُمَير، وأبي العباس العَزَفِي؛ وهؤلاء الثلاثة سَبْتِيُّونَ، وغيرهم ممَّن نأتي على ذِكْرِهم وذِكْرِ إفادتهم.
وكان من معالم هذه المدرسة ومآثر هذه الطبقة تَجَنُّبُ الأحاديث المنكرة والباطلة، والإعراض عن الإسرائيليات، وتنزيه مقام النبوة عن كل منقصة أو مغلطة، وبرَّز في ذلك أبو القاسم السُّهَيْلِي في "الروض الأُنُف"، وابن خُمَير في "مقدمات المراشد"، وإنَّما كان هذا النهج بتأثير واضح من فِكْرِ ونَظَرِ الإمام الحافظ ابن العربي.