للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والكذَّاب في الحديث مَيِّتٌ، لا أقول: أخرس؛ والمتجمل بِشَارَتِه وهيئته -ولا فائدة تحتها- طَاوُسٌ يتبختر في مِشْيَتِه، ويُقَوِّسُ ذَنبه تاجًا على رأسه، ويصيح (١) عُجْبًا به؛ والحقود جمل؛ وذو الوجهين يَرْبُوعٌ؛ فإنه ذو نَافِقاء، وقَاصِعاء، ودَامَاءَ؛ أبوابٌ لجُحْرِه، إذا دُخِل من واحد خَرج من آخر، وهي صفة المنافق" (٢).

وهذه أخلاقُ الناس، ولأجل هذا يُفَسِّرُ لك المُعَبِّرُ ما رأيتَ في النوم من هؤلاء بما ذكرناه لك من الأخلاق، ويُحِيلك على أمثالها في الأناسي، فيحذرك أو يبشرك، بحسب ما يظهر من قرائن الرؤيا، وذلك مُبَيَّنٌ في بابه.

وقد أفادنا أبو الفضائل بن طَوْقٍ العَدْلُ الصُّوفيُّ بمدينة السَّلام: "أنَّ قوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: ٣٨]، يعني: مخلوقة بمشيئة الله، موجودة على صفة، موضوعة بحِكْمَةٍ، مقرونة بدلالة على توحيد الله وحُجَّتِه (٣) ".

والوجهان عندي صحيحان، وقد بيَّنَّا الآية على الاستيفاء في "أنوار الفجر"؛ حين الإملاء في المجالس العامَّة، فعلى القول الأوَّل يكون الاستدلالُ لمن عرف طُرُقَ الاستدلال ولَزِمَه حتَّى دَرِبَ فيه وأَحْكَمَهُ.

قال الإمام الحافظ (٤) : وهذا إنما يكون الرجل بعد تقدم الفضل التام، والجلالة السَّابقة، والحالة المُتَمَكِّنَةِ في الدِّينِ الظاهرة.


(١) في (د): يصبح.
(٢) سراج الملوك: (٢/ ٤٤٣ - ٤٤٩).
(٣) في (د): حجة.
(٤) في (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي.