للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد وقعة الدَّارِ؛ عند ثورة السِّفْلَةِ عليه، من هَمَجِ إشبيلية ورعاعها وسُوقَتِها وسُقَّاطِها؛ فانتهبوا داره، وأفسدوا كتبه، ولحق الضياع بثمرة رحلته التي ناهزت العشر سنوات.

قال الإمام ابنُ العربي ذاكرًا أسباب قبوله تَوَلِّي خطة القضاء-: "تَمَكَّنْتُ فيها منها، وعَمِلْتُ ما يَعْلَمه الله تعالى، ولا أَطْلُبُ مَثُوبَةً من سواه؛ مِنْ كَفِّ الظُّلْمِ والاعتداء، وبَثِّ الأَمْنِ، وحِفْظِ الأموال، وكَفِّ الأطماع، والأَمْرِ بالمعروف، والنَّهْيِ عن المنكر، وفَكِّ الأسير، والتَّحْصِينِ على الخَلْقِ بالسُّور، والمساواة في الحق بين الصغير والكبير، حتى أَرِجَتْ أقطاري، ووَقَعَ السَّمَرُ بأخباري، فضَجَّ العُداة، وضَجِرَ الوُلاة، حين صَفِرَ وِطَابُهم من الحرام، وابيضَّتْ صحائفهم من الآثام، فدَسُّوا إلى نَفَرٍ من العامَّة، فثارُوا عليَّ، وساروا إليَّ، فنُهِبَتْ دَارِي، وأُخْفِرَ ذِمَامِي وذِمَارِي، وهُمْ قيامٌ ينظرون، لا يُغَيِّرُون ولا يُنْكِرُون، يرون أن مَسْلَحَةً أجدى عليهم من مصلحة، وعَطَبًا أولى بي من سلامة، فانتثلُوا مالي، واستَفَؤُوا شِعاري ودِثاري، وهَدَمُوا مسجدي وداري .. وتعرَّضوا لنفسي؛ فكفَّ الله تعالى أَيْدِيَهُمْ عَنِّي، ولقد وَطَّنْتُهَا على التَّلَفِ .. وأمسيتُ سَلِيبَ الدَّارِ، ولولا ما سبق من حُسْنِ المقدار لكنتُ قَتِيلَ الدَّارِ" (١).

وظهر من قوله: "سليب الدار"؛ أنه أُخِذت بعض كتبه التي كانت بخزانته، وفقد منها بعض مؤلفاته، منها: "أنوار الفجر"، و"العوض المحمود"، وغيرها، وفيها ما جلبه من رحلته المشرقية، ومنها ما لم يسبقه أَحَد إلى إدخاله إلى عدوة الأندلس، يؤكد هذا قوله بعد ذلك: "فإنه لمَّا


(١) سراج المريدين: (١/ ٢٦ - ٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>