للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة المعروفة بالمِنْبَرِيَّة وجوابه فيها على البديهة بأحسن جواب وأخصر عبارة، ولم يشغله ما كان فيه من الخطبة.

وأما منْزلته في السياسة والتدبير؛ فإنه لما ابتُلِيَ بكثرة المخالف واضطراب الأمر جرى في ذلك على أشد مجرى، بالمداراة لهم والدعاء إلى الحق، حتى تبيَّن له الباطل، فَقَتَل أَهْلَه، ولولا ذلك ما بقي للإسلام في تلك الفتنة رَسْم.

وأما منْزلته في الشجاعة؛ فظاهرة، بات في فراش النبي فداءً لَه بنفسه، وبَرَز يوم بَدْر وخَيْبَر - وغير ذلك - مكاشِفًا لأعداء الله، وذلك ظاهر جدًّا.

وأما منْزلته في العفَّة والإنصاف؛ فكان لا يستأثر بالعطاء، وتَرَك الدِّيوان مخافة التفضيل، حتى اضطرب الأمر فعاد إليه، ومِن عَدْله وحُسْن سياسته أنه لم يدَّخِر مالًا ولا حسَمه ساعة، ومن إنصافه إجابته إلى التحكيم مع ظهور فَضْله على من تحاكم معه.

وأمَّا منْزلته في الزهد؛ فإلى الغاية؛ فإنه لم يطلب الإمامة ولا نازع فيها حتى صارت إليه، حتى عَدَّ ذاك أهل الجهالة - من أتباعه (١) - أنه فعل ذلك تَقِيَّة، وإنما فَعَله إعراضًا عن الدنيا، فلما قُتِل عثمان لم يسعه القعود، ولا جاز لَه تضييع الخَلق مع صلاته وصومه، وسار بين الأعداء والمخالفين أحسن سيرة، حين لم يُذَفِّفْ على جريح، ولا نهب مالًا، ولا استرقَّ حرمة، وسَنَّ الحُكْمَ في حرب المسلمين، وهذه منازل شريفة" (٢).


(١) يقصد ابن العربي بهم الرافضة ومن شايعهم.
(٢) العارضة: (٩/ ١٩١ - ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>