وسمَّع، ودرَّس الفقه والأصول، وجلس للوعظ والتفسير، ورُحِلَ إليه للسَّماع، وصنَّف في غير فَنٍّ تصانيف مليحة كثيرة، حسنة مفيدة، وولي القضاء مُدَّةً ثم صُرِفَ، وكان فهمًا، نبيلًا، فصيحًا، حافظًا، أديبًا، شاعرًا، كثير الخير، مليح المجلس" (١).
فلِمَ لَمْ يذكر الغماري هذا الكلام؟ ولم طواه؟ ولم أخفاه؟ ولم حكى ما عدَّه طعنًا ولم يذكر الثناء؟ ففي هذا ما يظهر غرض الغماري ومقصده؛ وأنه يستغفل القارئ ويُدَلِّسُ عليه، ويظهر له ما يريده هو أن يراه ويعلمه من شأن القاضي، وهذه هي حجته التي زعمها.
ولكن الغماري ما فتئ يردد ذلك الكلام، وكأنه وقع على ما يبرد غلته ويثلج صدره، وتعدَّى في ذلك إلى تكذيبه في كل قول، وإلى التفوه به عند كل مناسبة، حتى كذَّبه في إخباره عن الصخرة المعلقة ببيت المقدس، ويأتي مزيدُ بيان لها في آخر هذا التكميل.
وابنُ العربي إمام المغرب والأندلس، وآخر حُفَّاظِها؛ كما قال ذلك أبو القاسم بن بشكوال، ولجلالته وارتفاع مرتبته عوَّل الناس عليه في التفقه والنظر، وفي الانتصار لمذهب عالم المدينة النبوية الشريفة سيدنا مالك ﵁، ولحِقْدِ الغماري على المالكية قال ما قال في الإمام أبي بكر بن العربي؛ لأنه حجة لديهم، وإمام من أئمتهم، لا يخلو كتاب من كتب علمائها من نقل أقواله وأنظاره، وعلى "الأحكام" و"القبس" و"العارضة" مُعَوَّلُهم، فلمَّا عاين الغماري مرتبة الإمام أبي بكر أراد أن ينفذ إليه بدسيسة يفتريها، ففكَّر ودبَّر، وقدَّر ما قدَّر، فلم يجد إلَّا هذه الفريات الثلاث؛