الثالث: فإذا تأمَّلت ما ذكرنا وجدت أن ابن العربي لا يسترسل في الإسرائيليات، وإنما يذكرها بضوابطها، ولا يفعل كما هو شأن الغماري، فقد ملأ كتبه بأحاديث علاماتُ الوضع عليها بادية؛ ممَّا عملته أيدي الروافض والقصَّاص وغيرهم، ولكنه يُورِدُها ويسكت عليها، بل ويحتج بها.
الرابع: قال أبو بكر بن العربي ﵁: "نهى النبي ﷺ أمته أن يحدثوا عن بني إسرائيل بما يُحرَّجون به، فالمعنى: لا تأتوا في حديثكم بما تُحَرِّجُون؛ بأن يحدِّث أحد عنهم بما ليس بحق، أو بما لا يصح من الخبر .. لأنه لمَّا نهاهم من أن يحدثوا عن بني إسرائيل بما يُحَرِّجون فيه، مع كون الحديث عنهم غير موجب تحريم حلال ولا تحليل حرام، ولا تغيير شيء من شعائر الإسلام، كان في الحديث عن رسول الله بالكذب نقل الحرام إلى الحلال، وإبطال فرْض، وتبديل سُنَّة، وذلك لا شك أعظم في الحرج من الكذب على بني إسرائيل. هذا قول الطبري.
وقال الشافعي ﵀: هذا أشدُّ حَدِيثٍ رُوِيَ في تحريج الرواية عمن لا يوثق بخبره عن النبي ﷺ .. ومعلوم أنه لا يبيح الكذب على بني إسرائيل، ولا على غيرهم، فلما فرَّق بين الحديث عن بني إسرائيل وعنه، لم يحتمل إلا أنه أباح الحديث عن بني إسرائيل عن كلِّ أحد، وأنه من سمع منهم شيئًا جاز له أن يحدِّث به عن كل مَن سمعه منه، كائنًا من كان، وأن يخبر عنهم بما بَلَغَه؛ إذ ليس في الحديث عنهم ما يقدح في الشريعة، وقد كانت فيهم الأعاجيب، فهي التي يُخْبَرُ بها عنهم، لا شيء من أمور الديانات، وهذا الوجه المباح عن بني إسرائيل هو