للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يُصبِ الغماري في هذا الذي ساقه، وحَسِبَهُ ممَّا يمكن أن يفرح به، وليس كما ظنَّ، بل هو دالٌّ على تسرعه وسوء فهمه، وفيه جملة أمور:

الأوَّل: لم يستطع أن ينقض ما ذهب إليه ابن العربي في عدم صحة الأحاديث عن ابتلاء أيوب ، وأن الصحيح منها واحد فقط، فلم نر الغماري يشاغب كما تقدَّم في أحاديث فضل العلم، فدلَّ ذلك على أنه موافق لابن العربي فيما قاله، وظهر أن ما قاله ابن العربي صواب صحيح لا يمكن رده ولا نقضه، ونحن لا نحتاج إلى موافقة هذا الغماري ولا إلى مرافقته، ولكننا نُذَكِّرُه بعادته التي رافقته فما فارقته.

الثاني: ذكر ابن العربي شروط رواية الإسرائيليات، وذكر في هذا النص شرطين اثنين؛

أولهما: ألا يسترسل المحدث عنهم فيذكر ما لا يجوز عقلًا.

ثانيهما: ألَّا يُورِدَ عنهم ما كذَّبه الشرع.

وهذان الضابطان لو اقتصر الناس عليهما لكان لهم في ذلك خير كثير، ولما تجرَّأ الناس على نسبة الكَذُوبَاتِ إلى الأنبياء.

ومع ذلك أحال ابنُ العربي على كُتُبِه التي بيَّن فيها ما يجوز روايته من هذه الإسرائيليات وما لا يجوز، فذكر منها كتاب "التفسير" و"الأحكام" (١)، ولو كان الغماري صاحب جَلَدٍ وعَزْمِ لرجع إلى ما أحال عليه، ولكنه استطول الطريق، واستحلى النقد الذي يأتيه بما يشتهيه، كسرابٍ يَحْسِبُه الظمآنُ ماءً.


(١) ينظر: القبس: (٣/ ١٠٥٠ - ١٠٥١)، وأحكام القرآن: (١/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>