ثالثها: ولم يكتف بما قال حتى نسبه إلى الكذب، وكيف اهتدى إلى كذبه دونًا عن الناس، وما زال الناس يقرؤون "سراج المريدين"، ويتداوله الحفاظ وشيوخ الإسلام؛ من زمان تأليفه إلى يوم الناس هذا، لم يتجاسر أحد أن ينسبه إلى كَذِبٍ، وحاشاه، ثم وحاشاه، ثُمَّتَ وحاشاه، ما علمنا عليه من سوء، ولكن الحاقد لا يرى إلَّا السواد، تُرِيه عيونُه ما لا يكون، وعَيْنُ الشانئ غرَّارة، وعند الله الملتقى.
رابعها: ولم يكتف بتلك الأوابد حتى زادها آبِدَةً أخرى، هي أفظع وأفجع، ضاقت حَوْصَلتُه عن تفهم قول القاضي الإمام أبي بكر، وضاق صدره من أن يكون في قوله ما يُحْمَدُ، فرماه بتلك النقيصة، قال الشَّانئ:"ودعوى أنه سَرَدَ الأحاديث"، ولا أدري ما هذا الذي يقول، ويَا رَبِّي يا رَبِّي ماذا أقول؟ ما الذي استكثره على ابن العربي في قوله؟ ألحفظه لتلك الأحاديث استوجب عنده المنقصة، ولعمري إنها لمفخرة له، كما أن الناس ما زالوا يقولون مثل ذلك ويحسبونه من محامدهم، ولكن الغماري أراد أن يُظهر الإمام ابن العربي بالمُدَّعِي فيما يقول، وقد أطبقت كلمة مُتَرْجِمِيهِ وعَارِفِيهِ ودَارِسِي تراثه على أنه قد بلغ من الحفظ المقام الأسنى، وكان من المستبحرين في ذلك، من كبار الأَحْبَارِ، وغَدًا سيعلم الظالم لمن عُقْبَى الدَّار.
وظَهَرَ لنا أن ما حَسِبَه في حَاقِّ نَفْسِه عَزْمًا قد صار زَعْمًا، وما ظنَّه حقًّا قد غَدَا مَحْقًا، وهيهات هيهات.