للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن التذكير قائم على معرفة النفس في ذاتها وصفاتها، وانتقالاتها في أحوالها، وابتدائها وانتهائها (١).

ومَرْتَبَةُ التذكير إنَّما كانت بالأساس لمولانا رسول الله سيدنا مُحَمَّدٍ ، إذ خاطبه ربه قائلًا: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: ٢١]، وهي المرتبة التي رَغِبَ فيها الإمام ابنُ العربي، أن يكون مُذَكِّرًا لقومه؛ بما علَّمه الله من العلم، وهاديًا لهم؛ بما فتح له من أبواب الفضل.

وقد جعل ابنُ العربي أساس هذا العلم قائمًا على تزكية النفس والخروج عن آفاتها، وجعل هذا الوجه وهذا النوع نصف العلم، لأن العلم وجهان: معرفة الخالق، ومعرفة الخلق، ففي الوجه الأوَّل ألَّف كتابه "الأمد الأقصى"؛ ليتحقق للعبد معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله، والوجه الآخر هو هذا، قِسْم خاص بالذِّكْرَى، يقول فيه: "وانتَدبنا الآن مُسترشِدين لربنا مُستوهِبين منه الهداية، من البداية إلى النهاية، حتى نَبْلُغَ الغرض، ونَقْضيَ المُفترَض، إلى ذِكْرِ صفات العباد الذين اصطنعهم الله تعالى لخِدْمَتِه، واصطفاهم لجواره في جَنَّتِه، وأفاض عليهم من سَعَةِ رحمته" (٢).

ووفَّى في كتابه "السراج" بما شَرَطَ على نفسه، فذَكَرَ من خصال الصالحين ومحامد المتبتِّلين ما يقضي بالعجب، ليدل الناسَّ على خير طريق، وليرشد المتشوفين إلى أرباب الذِّكْرِ والعهد، مع التولُّه بأخبار العابدين، ومكارم الزاهدين، ومنازل القاصدين.


(١) قانون التأويل: (ص ٢٤١).
(٢) سراج المريدين: (١/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>