وقال أيضًا:"النَّوْعُ الثالث: عِلْمُ التذكير، وهو مُعْظَمُ القرآن؛ فإنه ينبني على معرفة الوعد والوعيد، والخوف والرجاء والقُرْبِ، والذنوب وما يرتبط بها ويدعو إليها ويكون عنها"(١).
فأدخل الإمام ابنُ العربي في هذا العلم بعض فصول النوع الأوَّل، وهو "علم التوحيد"؛ فمسائل الوعد والوعيد، وما يعقبها أو يتعلَّق بها إنما هي مندرجة في أبواب السَّمعيات، وهي الباب الرابع من أبواب الاعتقاد؛ لهذا أدخل في هذا الكتاب ما يتعلَّق بالعَرْضِ، والحساب، وعذاب القبر، والشفاعة، والبعث والنشور؛ لما يعقب ذلك من معرفةٍ في قلب العبد ومن الذِّكْرِ والذِّكْرَى، ولما له من أَثَرٍ على فعل العبد واعتماله، وكذلك ما يتعلق بالجنة والنار، ونعيم الأولى وعذاب الأخرى، وما ورد في ذلك من أحاديث وآثار.
وإنَّما سمَّاه تذكيرًا لما فيه من التنبيه على غفلات العبد، ولما فيه من التذكير بمزالق الأقدام، ولمَا قد يطال المرء من تقادم العهد الذي أُخذ عليه فيه الذِّكْرُ، فابنُ العربي هنا مُذَكِّرٌ الناس بمنازل المتقين، مُحَذَرٌ لهم من مهاوي الغافلين، مُنْذِرٌ لهم من دركات عذاب الجحيم، مُبشِّرٌ لهم بكرامات رب العالمين لأصفيائه وأحبَّائه.
وكان منطلقه من قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: ٥٥]، وقد رأينا أنه وَسَمَ هذا العلم- أيضًا- باسم "الذِّكْرَى"، لما تشتمل عليه من العِظَةِ، ولما تُحِيلُ على لوازمها ومتعلقاتها؛