للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما إن ذكرتُك اللهم تلعنني … جوارحي ولساني عند ذكراكَ

حتى كأن رقيبًا منك يهتف بي … إيَّاك - ويحك - والتذكار إيَّاكَ

فإنه ليس ممَّن يخفى عليه معنى هذين البيتين، والمراد بهما بين الصوفية، بل الواقع جزمًا أنه يعلم أن معناهما خلاف ذلك؛ بدليل أنه أنشد قبلهما بيتًا آخر في معناهما الحقيقي، وهو قول بعضهم:

الله يعلم أني لست أذكره … وكيف يذكره من ليس ينساهُ

فهذا إذ أورده قاطع بأنه يعلم أن مراد صاحب البيتين الأوَّلين هذا المعنى، وأنه قال: تلعنني جوارحي إلخ؛ لأني إذا ذكرتك كان ذلك دليلًا على أني نسيتك، وإذا نسيتك كنت مستحقًّا للَّعْنِ، على أنه غيَّر لفظ البيت ليتم له ما أراد؛ فإن لفظه كما هو مشهور عن قائله هكذا:

فإن (١) ذكرتك اللهم يلعنني … سِرِّي وقلبي وروحي عند ذكراكَ

فغيَّر هو ذِكْرَ السر والقلب والروح بذِكْرِ الجوارح واللسان؛ ليتم له ما أراد إشارة إلى الحديث الوارد بأن العاصي إذا ذكر الله في حال معصيته ذكره الله بلعنته، ثم أراد أن يؤيد هذا المعنى فأنشد قول القائل:

أستغفر الله من أستغفر الله … من لفظة صدرتْ خالفتُ معناها

وكيف أرجو إجابة الدعاء وقد … سددتُ بالذنب عند الله مجراها

وبعد: فالحامل لهذا الخبيث على هذه الدسائس هو أن البيتين منسوبان لعلي زين العابدين بن الحُسَين عليهما الصلاة والسَّلام، فأراد عدو الله أن يحول معناهما، ويثبت للسيد الجليل أنه كان مقيمًا على المعاصي،


(١) كذا، صوابه: ما إن.

<<  <  ج: ص:  >  >>