حَجْرَةً عن الخلق، ونَبْذَةً من الناس؟ فكنتُ أقول له: إذا حَصَّلْتُ ما أؤمِّل من العلم كنتُ لك صاحبًا في هذا الغرض" (١).
وهذه رغبة صادقة من ابن العربي في التبتل والانقطاع عن الخلق، وكان قد عاهد الإمام أبا بكر الطرطوشي على ذلك، لكنه لم يتأتَّ له ذلك بعد أن حَلَّ الطرطوشي عزيمته، ورضي بما هو فيه من حال، خصوصًا بعد خروجه من بيت المقدس ونزوله بالثغر السكندري، وهي أرض غير الأرض، وفيها ناس غير الناس.
وفي ذلك يقول ابنُ العربي: "والذي ظهر إليَّ أنَّ شيخنا أبا بكر ﵀ لم يكن له عزيمة على هذه القصة؛ فإن من أرادها لم يحتج فيها صاحبًا، إلَّا الذي يتبتَّل له، أو كانت له في ذلك نيَّة، ولكن بمحبته في العلم كان يريد صاحبًا يتعالم معه ويتذاكر، لما في ذلك من اللذَّة الشرعية.
فكُنَّا ارتبطنا أن يكون ذلك بعد أعوام؛ نُحَصِّلُ فيها نحن مُرَادَنا من العلم، فلمَّا كان بعد ثلاثة أعوام اجتمعت معه بالثغر، وقد زال عن تلك الطريقة؛ من لباس العباءة، والاقتصار على الطعام الجَشِبِ، والنوم على المضجع القضيض، وإهمال النظر في المعاش، إلَّا ما جاء على الفُتُوحِ، ولَبِسَ الرقيق، وأَكَلَ المُلَوَّقَ، ونام على الفراش الوثير.
فقلت له: ما هذا الذي تعاهدنا عليه!
فقال: ما طلبناه؛ ولكن لمَّا جاء من وجهه قَبِلْنَاهُ.