للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبقي على الخُلطة في زهده وعبادته حتى افترقنا، وكذلك كان فيما بلغني؛ حتى مات على خير طريقة، والله يكتب له أمانه، وويُبَوِّئُه جِنانه، ويُلحقه رضوانه، بفضله ورحمته" (١).

وكان الإمام أبو بكر الطرطوشي ممَّن راض نفسه بطريقة الصوفية، حتى بلغ به الحال أن يدخل فيما يدخلون فيه من الوصال في الصوم، قال ابنُ العربي: "وقد كان شيخُنا أبو بكر الفِهْرِي رَاضَ نفسه على الوصال على مذهب الصوفية بالمسجد الأقصى -طهَّره الله-، فصام من يوم السبت، وأفطر يوم الأربعاء، وأُرَى أنه يَضْعُفُ عن خِدْمَةِ العلم بالمدارسة والمذاكرة فتَرَكَهُ" (٢).

وهو خبر ينفرد به الإمام ابنُ العربي في حديثه عن شيخه، ولم نقف له على أثر في ديوان آخر، وهو يُظهر تأثر الطرطوشي بمسالك المتصوفة أيَّام مقامه ببيت المقدس -طهَّره الله-، فمع أمثال هؤلاء كان ابنُ العربي؛ فأورثه ما قدَّمنا عنه من اجتهاد واعتمال.

وقال ومبيِّنًا لسيرته في بيت المقدس مع جماعة العبَّاد والزهَّاد: "ولقد كنَّا نخرج مع أبي بكر الفِهْرِي الصُّوفِي شَيْخِنا، فنمشي في مشاهد الأنبياء ورباطات الأصفياء؛ الأيام والأشهر، في جَمْع الطلبة، نَقِيلُ بمَنْهِل، ونبيت على منزل، في تُحَفٍ كثيرة، وخيرات معدَّدة مردَّدة، ثم نعود إلى المسجد الأقصى، ثم نخرج إذا طاب الهواء، وغرَّد المُكاء، وانتهى جريان الماء في الأغصان إلى الاستواء" (٣).


(١) سراج المريدين: (٤/ ٤٣٤).
(٢) سراج المريدين: (١/ ٨٠).
(٣) سراج المريدين: (٣/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>