للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لهذه الخلال ولما عُرِفَ عنه من أولياء الله المُخْلَصِينَ، وشَهِدَ له بالعِرْفَانِيَةِ غير واحد، منهم الفقيه الحافظ محمد بن جعفر الكتاني تـ ١٣٤٥ هـ، وعَدَّهُ ضمن صلحاء فاس الفقيه ابنُ عيشون ت ١٠٤٠ هـ (١)، وبَعْضُهم جعله من جملة أولياء الحضرة الفاسية (٢)، إلَّا أن بعضهم نفى عنه أن يكون من أهل الباطن والخصوص، كما هو متعارف عليه عند القوم، وهي منزلة لا يتشوَّف إليها ابنُ العربي، حسبه أن يكون من أهل الظاهر والعموم؛ الذين يحفظون رسوم الشريعة، ويعرفون قوانينها، فيقف حيث وقف به الدليل، ولا يجري مع كل فرقة في كل سبيل، فحسبه هذه المرتبة، ويا لها من منقبة!

قال الفقيه محمد بن جعفر الكتاني: "وكفاه ذلك خصوصية وولاية، ومكانة ومنزلة وعناية" (٣).

ومما يدل على زهد ابن العربي وارتفاعه في الصلاح قوله -بعد حضوره مجلس ابن الحدَّاد الأصفهاني-: "فَوَالعَظِيم الكريم العزيز الرَّحيم العَلِيِّ الحكيم الذي ابتلاني بكم بعدهم، وجعلني بَدَلًا منهم معكم، ما انفصلتُ عن ذلك المجلس إلَّا والدنيا قد خَرَجَتْ من قلبي، فما دَخَلَتْهُ إلى اليوم" (٤).

فتَنَخَّلَ لنا من هذا الذي قدَّمنا في هذه المسائل: أنَّ ابن العربي عابد زاهد، وأنه عارف بمذاهب المتصوفة؛ عالم بطرائقهم، بصير بمقالاتهم،


(١) الروض العطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس: (ص ٣٢٢ - ٣٢٣).
(٢) سلوة الأنفاس: (٣/ ٣١٣).
(٣) سلوة الأنفاس: (٣/ ٣١٣).
(٤) سراج المريدين: (٣/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>