للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حتى أَبْرَزَه آيةً باهرة، وابتعثه (١) حُجَّةً قاهرةً، فقام بأَمْرِ الله وشقاشق (٢) الكفر هادرة، وبِحَارُه زاخرة، ودعاتُه ثائرة، فلم يَزَلْ يُجَادِلُ في الله بالأدلة المتناصرة (٣)، ويُنَاضِلُ عن دِينِه بالقواضب الباترة، وأَعَادَ العيشة الناضرة، وأَصْلَحَ أَمْرَ الدنيا والآخِرَة، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما هَطَلَت السُّحُبُ المَاطِرَة، وجَرَتْ في البحار السُّفُنُ المَاخِرَة.

عِبَادَ الله؛ عَلَوْتُ على منبركم ولستُ بخَيْرِكُمْ (٤)، والله لو كانت الذنوبُ مَنْظَرَةً لكُنْتُ أقبحَكم، أو ملبسًا لكنت أخشنَكم، أو صارت خبرًا لكنت أفظعَكم، أو فغمت (٥) رائحةً لكنت أَتْفَلَكُمْ (٦)، فإن تكلَّمتُ فنفسي أخاطب، ولئن وعظتُ فإني للتوبة طالب، وفي الإنابة راغب، يدعو إليها النُّهَى، ويَصْدِفُ عنها الهوى".

ولم يبلغ في الخطبة هاهنا، حتَّى غَلَبَ على الخلق الأَنِين، واستولى عليهم الخَنِين، وسال الدَّمْعُ والذَّنِين (٧)، وارتفع الزَّعْقُ، وكَثُرَ الصَّعْقُ، وقُضِيَت الصلاة، وطارت الخُطْبَةُ في الأقطار كلَّ مَطَار، وسار بها الراكبُ


(١) في (د): بعثه.
(٢) في (د): شَقَائِقُ.
(٣) في (ز): المناصرة.
(٤) في (ز): منكم، وهو تصحيف.
(٥) في (ص): ختمت.
يقال: فَغَمَه الطِّيبُ: إذا سدَّ خياشيمه، تاج العروس: (٣٣/ ٢١٤).
(٦) في (د): أفعلكم.
(٧) الذنين: رقيق المخاط، تاج العروس: (٣٥/ ٦٦).