للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي لفظ آخر (١): "وآدَمُ بين الماء والطين".

ويُخْلَقُ المَرْءُ وهو لا يَعْلَمُ (٢) شيئًا، كما قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ [النحل: ٧٨]، ثم عَلَّمَهُ ما لم يكن يعلم، وكان فَضْلُ الله عليه عظيمًا.

وابتدأَ الآدَمِيِّينَ بالنِّعْمَةِ قبل الخِدْمَةِ تكريمًا، ولمَّا علَّم الآدَمِيَّ خَلَقَ له القدرة ومَلَّكَه (٣)، ثم ابتلاه فيسَّره لِمَا قدَّره، ونَصَبَ له -وفيه- الأَدِلَّة، لِمَا يَسْتَقْبِلُه من حاله، وأخبره بالصحيح من مآلِه، وقرَّر له الأمر بأَشْكَالِه، وضَرَبَ له البيان (٤) بأَمْثَالِه، فمِنْ رَاكِنٍ إلى العاجلة في مَحَلِّ الاعتبار، ومِنْ سَابِقٍ إلى الآخِرة في دار القرار، فإن سَبَقَ استقرَّ ومَلَك، وإن رَكَنَ اسْتَغَرَّ وهَلَك.

وماذا يَغُرُّه من الدنيا دَارِ الباطل! وقد رأى أن يومه فيها كأَمْسِ الذاهب، وغَدُه لا يعلم أيُدْرِكُه؟ وقرناؤه قد اخترمتهم المَنُونُ، وصارُوا في خبَرِ (٥) كان بعد يكون، وتيقَّن أن طويل العمر كقصيره بَوَاء (٦).

فمن عاش عامًا كمن عاش ألفًا … فما العامُ والأَلْفُ إلَّا سواءْ (٧)


(١) لم أجده بهذا اللفظ، وقال السخاوي: "لم نقف عليه بهذا اللفظ"، المقاصد الحسنة: (ص ٣٢٧).
(٢) في (س): يُعَدُّ.
(٣) في (ص): ولمَّا علَّم الآدمي وأقدره وملَّكه.
(٤) في (ص): المثل.
(٥) في (ص): حيِّز.
(٦) في (ص): سواء.
(٧) البيت من المتقارب، ولم أقف عليه بعد البحث والتعني.