للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمامُ ابن العربي: "مُنِيتُ بِحَسَدَةٍ لا يَفْتَؤُونَ، وَمُبْتَدِعَةٍ لا يَفْهَمُونَ، قد قَعَدُوا مِنِّي مَزْجِرَ الكَلْبِ يُبَصْبِصُون، والله أَعْلَمُ بما يَتَرَبَّصُونَ" (١).

وأكثر ما كانت محنة الإمام أبي بكر من جهة هؤلاء الحَسَدَةِ الفَسَدَةِ، الذين لم يتركوا أمرًا من أموره، ولا شأنًا من شؤونه؛ إلا ودخلوا فيه، ورموه عن قوس واحدة، واتخذوه غرضًا، ومالوا عليه بأجمعهم، لم يحملهم على ذلك إلَّا حَسَدٌ قَتَّالٍ، وهوًى ذو قَذَالٍ، وقد ذكر هذا الأمر عن علماء بلده في موضع آخر من كتبه، فذكر أن معاداتهم لمن جاء بعِلْمٍ ممَّن رحل سيرتُهم التي كبِروا عليها وفُطِمُوا بها، فهم مع كل رحَّالة في شأن عجيب، قال : "كلمَّا جاء أحدٌ من المشرق بعِلْمٍ دفعوا في صَدْرِه، وحَقَرُوا من أمره" (٢).

وقال -ذاكرًا ما جرى له من أولئك الحسدة-: "ثم عُدْنَا نَنْوِي الحقَّ الذي حصَّلنا، ونعتقدُ القيام بالقِسْطِ الذي فصَّلنا، فألفينا قلوبًا متناكرة، وأخلاقًا متنافرة، وأرواحًا لم تلتق في سبيل المعرفة، فتأتلف على أكرم خُلُقٍ وأحسن صفة، بل هي أمة أكثرُها عن الواضحة ناكبة، تَقْسِطُ فيما فَرْضُها أن تُقْسِطَ، وتَعْدِلُ عمَّا يلزمها فيه أن تَعْدِلَ" (٣).

وقال -بعد أن رأى منهم ما رأى، وبعد أن أعلنوا بالعداوة-: "وكم عندنا من العلوم، وماذا جمعنا من الفوائد، ولم نَجِدْ لها في هذه الأقطار


(١) العارضة: (١/ ٩).
(٢) العواصم: (ص ٣٦٦).
(٣) سراج المريدين: (٣/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>