للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه يسجد له، ولا أنه يُعافَى من البلاء، فكيف أن تستريب بذلك زوجةُ نبي؟ ولو كانت زوجة سَوَادِي (١) أو فَدْمٍ بَرْبَرِيٍّ ما ساغ ذلك عندها.

وأمَّا تصويرُه الأموال والأهل في وادٍ للمرأة فذلك ممَّا لا يقدر عليه إبليس بحال، ولا هو في طَوْقِ السِّحْرِ فيقال: إنه من جنسه، ولو تصوَّر لعَلِمَتِ المرأة أنه سِحْرٌ كما نعلمه نحن، وهي فوقنا بالمعرفة (٢) بذلك، فإنه لم يَخْلُ قطُّ زمانٌ عن السِّحْرِ وحديثِه وجَرْيِه بين الناس وتصويره.

قال القاضي أبو بكر (٣): والذي جرَّأهم على ذلك وتذرَّعوا به إلى ذِكْرِ هذا قَوْلُه تعالى: ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: ٤١]، فلمَّا رأوه قد شكى مسَّ الشيطان أضافوا إليه من رأيهم ما سبق من التفسير في هذه الأقوال، وليس الأمرُ كما زعموا، والأفعال كلها؛ خيرها وشرها، إيمانها وكفرها، طاعتها وعصيانها (٤)، خالقها هو الله وحده، لا شريك له في خلقها، ولا في خلق شيء غيرها، ولكن (٥) الشر لا ينسب إليه ذِكْرًا، وإن كان موجودًا منه خَلْقًا، أَدَبًا أُدِّبْنَا به، وتمجيدًا عُلِّمناه، وكان من ذِكْرِ النبي مُحَمَّدٍ لرَبِّه به قَوْلُه من جملته: "والخير في يديك، والشَّرُّ ليس إليك" (٦)، على هذا المعنى، ومنه قَوْلُه إبراهيم: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ


(١) السَّوَادِيُّ: العَامِيٌّ.
(٢) في (د) و (ص) و (ز): في المعرفة.
(٣) في (ص): قال الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي، وفي (ز): قال الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي .
(٤) في (د) و (ص) و (ز): معصيتها، وأشار إليها في (س).
(٥) في (س): لكن.
(٦) أخرجه مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب : كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم: (٧٧١ - عبد الباقي).