للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الدعوة الثانية: فهي -والله أعلم- الظهور في القيام بالحق، فقد وَلِيَ القضاءَ ببلده إشبيلية وأقام فيها العدل؛ حتى حسده من كان مساعدًا، ونابذه من كان معاندًا، ثم امتُحن فيه فصَبَرَ صَبْرَ أُولِي العزم؛ حتى انجلت محنته عن دين تَقِي، وعِرْضٍ نَقِي.

وأمَّا الثالثة -والله أعلم-: فهي الشهادة، فقد رُزِقَها ، أُشخص عن بلده، وغُرِّبَ عن أهله وولده، حتى مات في غير وطنه، على خير سَنَنِه، فرحمة الله عليه ورضوانه، فلقد كان أَوْحَدَ زمانِه، وفردًا في جميع شانِه" (١).

وهذا الكلام ممَّا ينبغي أن يحفظ؛ لأنه يظهر منزلة ابن العربي وصدقه، ويظهر عَدْلَه وقِسْطَه، وعلمه ومعرفته، وهو شهاد من تلميذٍ إمامٍ في حَقِّ شيخه الإمام الحافظ، رحمهما الله ورضي عنهما.

وقال ابنُ العربي في المدينة النبوية الشريفة: "ولقد وصلتُ إليها والحمد لله، وأشرفتُ من الثَّنِيَّةِ، ورأيتُ النور ساطعًا إلى السماء بفضل الله تعالى، وصلَّيتُ في الروضة، وناجيتُ الرسول وَحْدِي لَيْلًا من جهة رأسه، وتسمَّيتُ له، وتشفَّعتُ به، فنسأل الله الذي يختص برحمته من يشاء، ويمنُّ على من يشاء من عباده؛ أن لا يجعل ذلك عناءً، ولا يُصَحره هباءً، بفضله ورحمته" (٢).

وقال ابنُ العربي -أيضًا- واصفًا هذه المناجاة الشريفة: "وقد كنتُ جِئْتُه فناجيتُه من قِبَلِ رأسه الرفيع، بإزاء البلاطة، وقلت له: يا رسول


(١) المقدمة الدراسية لكتاب المتوسط في الاعتقاد: (ص ١٩ - ٢٠).
(٢) سراج المريدين: (٢/ ٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>