للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانتهى إليه أمرُه ونهيُه، وعَلِمَ من خَبَرِه له بذلك وابتلائه به، أنه إِن أطاعه نَجَا، وإِن عصاه هَلَكَ، وقد بيَّن له النَّجْدَيْنِ؛ النَّجْدَ المُفْضِي إلى الفوز والسلامة والأمان، والنَّجْدَ المُوَرِّطَ في الهَلَكَةِ، فيقتضي له النظر في نفسه الاستعدادَ لما يجد في آخِرَته، وأوَّلها حلولُه في رَمْسِه، ألا تَرَوْنَ أنه إذا سَلَكَ في الدنيا طريقًا يُفضي به إلى مطلوب استعدَّ للطريق، واستعدَّ لما يُنفق ويُصلح بالموضع الذي يقصده، واستعدَّ الوُسْعَ فيما يُنفقه (١) فيه ويَعْضُدُه، فإن لم يفعل شيئًا من ذلك كان زاهقًا عن درجة النظر ومرتبة العقل والعلم التي زعم أنه فيها، وزال عن سَبِيلِ التصديق والحَوْطَةِ على نفسه خَوْفَ الهَلَكَةِ التي يعلمها، ولا يخلو تَرْكُه لذلك من أربعة أقسام:

القسم الأوَّل: أن يشك في أنه سائر، ويعتقد أنه مقيم، وهذا ما لا يخطر ببال أحد له سُوسٌ (٢)، ولا ممَّن هو داخل في حَدِّ التمييز.

الثاني: أن يشك أنه وارد على شيء، وهؤلاء هم الذين يعتقدون أن الموت عَدَمٌ مَحْضٌ، وللكلام معهم موضع.

الثالث: أن يشك في حال ذلك المقام وما فيه من أحوال وأحكام، وهذا كافر مُخَلَّدٌ في النار؛ لما تقدم من الآيات والأحاديث والإجماع.

الرابع: أن يعلم ذلك على صِفَتِه، ويتحقَّقه بتفصيله وجُمْلَتِه، من جهة خَبَرِ الصادق به (٣)، ولكنه أَقْدَمَ عليه مع عِلْمِه به.


(١) في (ص) و (ز): ينفعه.
(٢) أي: العقل.
(٣) سقط من (س).