للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويُقال للذي يعتقد أن الموت عَدَمٌ مَحْضٌ: ألم تر إلى الدنيا وما فيها من تفاوت الأحوال والمنازل، والغنى والفقر، والحرية والرق، والنعمة والبؤس، على غير نظام صالح في الظاهر لنا؟

فلو كانت الدنيا بهذه الصفة هي المقصَد وعليها الموقف، وليس وراءها مَوْرِدٌ لكان عبثًا ولَعِبًا، وقد تنزَّه الله عن ذلك وتقدَّس، وقال: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الدخان: ٣٦] وقال ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾ [المؤمنون: ١١٥]، ولو شاء الله لجعل الدار واحدةً، والحال واحدةً، ولكنه فضَّلها (١) بقُدرته، وقسَّمها بحِكْمته.

وأمَّا إن شَكَّ في كيفية ذلك المقام؛ فالدليل الذي يُثبت وجوده يُثبت كيفيته، وقد أخبر الله عن الآخرة وأحوالها بأسماء الدنيا وصفاتها، فهي مِثْلُها لوجوب الصِّدْقِ في خَبَرِه، إلَّا أن ما في الآخرة يَفُوتُها بالزيادة عليها في العِظَمِ والقَدْرِ، والبقاء والدوام، وعَدَمِ الآفات، ومَزِيدِ الحُسْنِ في الصفات.

وأمَّا إن علم ذلك كلَّه وَعْدًا ووعيدًا، وفوزًا وهلاكًا، وأقدم على المخالفة، ولكنه قال: أرجو التوبة؛ فهو مغرور (٢)، لأنه لا يعلم هل يدركها.

وأمَّا إن قال: أُقْدِمُ عليها، وأُؤثر شهوة الدنيا على نعيم الآخرة، وأرضى بالعاجل بدلًا من الآجل، فإني أقول له (٣): إنه غير مُوقِنٍ بالآخرة (٤)


(١) في (ص): فصَّلها.
(٢) في (ص): مُغَرر.
(٣) سقطت من (د) و (ص) و (ز).
(٤) سقطت من (س).