للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكَرِهَ مَالِكٌ التَّطْرِيبَ في الأَذَانِ (١)؛ لأنه لم يكن سُنُّةً، وأَحْسَنَ ما شاء أن يُحْسِنَ، ولم يَرَ لمن يأخذ على التَّلْحِينِ في رمضان أُجْرَةً ولا أَجْرًا؛ لأنه كَرِهَه، وذلك لأن نِيَّةَ (٢) الدنيا دخلته (٣)، وكأنه إنَّما يبيعُ صوته.

والأُجْرَةُ على الصلاة جائزة عندنا، والقراءة بالتلحين سنة، وسماعُه يزيدُ إيمانًا بالقرآن وغِبْطَةً، ويُكْسِبُ القَلْبَ (٤) خَشْيَةً.

سَمِعْتُ بمصر ابن الرَّفَّاءَ (٥) يَقْرَأُ: ﴿كهيعص﴾ في ذي الحجة سنة خَمْسٍ وثمانين وأربع مائة، فكأني ما سمعتها قَطُّ، ولقد مَرِضَ في وَبَاءٍ كان بها، ثم خرج فجلس "بمسجد العَالِمِ" وقرأ: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٣]، وجَعَلَ يُرَدِّدُها، وقرأ: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ [ص: ٤١]، فكادت نفسي تطير شَعَاعًا (٦)، وأَدْرَكَتْهُ بطُول المرض عَيْلَةٌ؛ فرَأَيْتُ الثياب قد رُمِيَتْ عليه في المجلس حتى صارت كُومًا حال بيني وبينه.


(١) المدوَّنة: (١/ ٥٩).
(٢) في طرة بـ (س): زينة.
(٣) في (س) و (ص): دخلت.
(٤) في (ص) و (د): القلوب.
(٥) ذكره ابن العربي في أحكام القرآن: (٤/ ١٥٩٦)، وذكر أنه سمع منه بالقرافة، ولم أجل له ذِكْرًا في كتب التراجم.
(٦) يقال: طار فؤاده شَعَاعًا، أي: تفرقت همومه، تاج العروس: (٢١/ ٢٧٥).