للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما بَلَغَ النبيُّ الغَايَةَ من (١) التذلل والتواضع لله والمسكنة (٢)، وصار اسمُ العَبْدِ فيه حقيقة؛ حين (٣) لم يَعْصِ الله قَطُّ؛ لا قبل النبوَّة ولا بعدها؛ رَفَعَهُ الله إلى سِدرَةِ المنتهى، وأَوْصَلَه إلى مَوْضع يَسْمَعُ فيه صَرِيفَ الأقلام، وأخبر عنه (٤) باسم العَبْدِ، فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء: ١].

التقدير: سبحان الذي رَفَعَ المُتَذَلِّلَ له إلى أَعَزِّ مَوْضِعٍ عنده.

وقال (٥) له: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ﴾ [مريم: ٦٥]، فكذلك (٦) فَعَلَ ، فلقد قام حتى تَفَطَّرَتْ قدماه، وكان نهارُه كله في عبادة مولاه، حتى إذا طرأت عليه غَفَلَاتُ الآدميَّة بمُعَافَسَةِ الأهل والطعام تاب إلى الله في اليوم والليلة مائة مرة، ووَذَرَ (٧) الدنيا (٨)؛ ولم يَمُدَّ إليها عَيْنًا، ولم ينتقم لنفسه.

ولا يَتِمُّ الصبر على العبادة إلَّا بترك الدنيا، قال أبو الدرداء- فيما رواه ابن حنبل-: "كنت تاجرًا؛ فلمَّا أَسْلَمْتُ حاولت انتجارة والعبادة فلم يَجْتَمِعَا، فأخذت العبادة وتَرَكْتُ التجارة" (٩).


(١) في (س): في.
(٢) في (س): السكينة فيه.
(٣) في (س) و (ص): حتى، ومرَّضاها في (د) و (ل).
(٤) قوله: "وأخبر عنه" سقط من (س) و (ص).
(٥) في (س): فقال.
(٦) في (س): وكذلك.
(٧) في (ز): ترك.
(٨) في (ص): الزينة.
(٩) أخرجه الإمام أحمد في الزهد: (ص ١٧٢).