فَارْتَفَعَ حَيْضُهَا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرَّثَهُ مِنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَبَسَ مِيرَاثَهَا عَلَيْك. (قَالَ:) وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا؛ لِأَنَّ مَا فِي رَحِمِهَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَتَكُونُ أَمِينَةً فِيهِ مَقْبُولَةَ الْقَوْلِ، هَكَذَا قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الْأَمَانَةِ أَنْ تُؤَمَّنَ الْمَرْأَةُ عَلَى مَا فِي رَحِمِهَا وَلِأَنَّهَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالْأَصْلِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِدَّةِ، وَاسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ كَانَ ثَابِتًا لَهَا فَيَبْقَى مَا لَمْ يَظْهَرْ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ، وَبِقَوْلِ الزَّوْجِ ذَلِكَ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَقَامَ الزَّوْجُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَرِئَ مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِهَا بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ.
(قَالَ:) وَإِذَا جَامَعَتْ ابْنَ زَوْجِهَا مُطَاوِعَةً فِي عِدَّتِهَا لَمْ تَبْطُلْ بِذَلِكَ نَفَقَتُهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يَقُولُ: النَّفَقَةُ تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَمَا أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْ ابْنَ الزَّوْجِ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ لَهَا النَّفَقَةُ، فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِفِعْلِهَا هُنَا فِي الْفُرْقَةِ؛ فَإِنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَهُمَا قَدْ وَقَعَتْ قَبْلَ فِعْلِهَا وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الْفِعْلِ فِي إسْقَاطِ الْعِدَّةِ فَتَبْقَى النَّفَقَةُ مُسْتَحَقَّةً لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَتْ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ هُنَاكَ وَقَعَتْ بِفِعْلِهَا وَهِيَ عَاصِيَةٌ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ فِي الْعِدَّةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا لَا لِعَيْنِ الرِّدَّةِ وَلَكِنْ لِأَنَّهَا تُحْبَسُ فَلَا تَكُونُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَالْمَحْبُوسَةُ بِحَقٍّ عَلَيْهَا لَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ تَابَتْ وَرَجَعَتْ إلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْعَارِضِ وَهُوَ الْحَبْسُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِرِدَّتِهَا فَإِنَّ هُنَاكَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ تَابَتْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ كَانَ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ وَلَوْ لَحِقْت بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدَّةً فَقَدْ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى إذَا جَاءَتْ مُسْلِمَةً، أَوْ تَائِبَةً أَوْ سُبِيَتْ فَأُعْتِقَتْ، أَوْ لَمْ تُعْتَقْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ.
(قَالَ:) وَلَوْ أَنَّ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً وَدَخَلَ بِهَا وَطَلَّقَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي قَوْلِ مَنْ يُوجِبُ عَلَى الذِّمِّيَّةِ الْعِدَّةَ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ شَبَهَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهَا يَقُولُ: النَّفَقَةُ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ لَهَا يَبْقَى الْعِدَّةُ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا لِذِمِّيٍّ الَّذِي لَهُ أَبَوَانِ حَرْبِيَّانِ بِأَمَانٍ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا، وَإِنْ كَانَا فِي دَارِنَا صُورَةً فَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ مُتَمَكِّنَانِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ بِمَنْزِلَةِ الصِّلَةِ وَلَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الصِّلَةِ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّلَةَ لِإِبْقَائِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute