بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي» وَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ هَذَا هُوَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِ الْبَالِغِ وَكَتَبَ بِهِ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ أَنَّ الْبُلُوغَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُكْمَ يَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ النَّادِرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ صِفَةُ الصِّغَرِ فِيهِمَا مَعْلُومَةٌ بِيَقِينٍ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهَا إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَلَا يَقِينَ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ ثُمَّ أَدْنَى الْمُدَّةِ لِبُلُوغِ الْغُلَامِ اثْنَا عَشَرَ سَنَةً وَقَدْ وَجَبَ زِيَادَةُ الْمُدَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يُزَادُ سَبْعُ سِنِينَ اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ أَمْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغُوا سَبْعًا» وَبَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ اخْتِلَافٌ فِي تَفْسِيرِ الْأَشَدِّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَمَّا بَلَغَ أَشَدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: ٢٢] فَوَجَبَ تَقْدِيرُ مُدَّةِ الْبُلُوغِ بِهِ وَلَكِنَّ الْأُنْثَى أَسْرَعُ نُشُوءًا عَادَةً فَيَنْقُصُ فِي حَقِّهَا سَنَةٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بِسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ مَا أَجَازَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ حَكَمَ بِبُلُوغِهِ بَلْ لِأَنَّهُ رَآهُ قَوِيًّا صَالِحًا لِلْقِتَالِ وَقَدْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُجِيزُ مِنْ الصِّبْيَانِ مَنْ كَانَ صَالِحًا لِلْقِتَالِ» عَلَى مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُرِضَ عَلَيْهِ صَبِيٌّ فَرَدَّهُ فَقِيلَ إنَّهُ رَامٍ فَأَجَازَهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ صَبِيَّانِ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا وَرَدَّ الْآخَرَ فَقَالَ الْمَرْدُودُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجَزْته وَرَدَدْتنِي وَلَوْ صَارَعْته لَصَرَعْته فَصَارَعَهُ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -».
(قَالَ) وَلَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَإِنْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ كَانَ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ وَالْوَلَدُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ يُجَامِعُ وَيُحْبِلُ وَقَدْ ثَبَتَ الْفِرَاشُ لَهُ بِحُكْمِ النِّكَاحِ، وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَالِدًا.
(قَالَ) وَاذَا مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَعِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ مِنْ إيَاسٍ فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَعَلَيْهَا مِنْهُ الْعِدَّةُ لِأَنَّهَا فِرَاشُهُ بَعْدَ مَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِهَا ثَبَتَ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الظَّنِّ بِهِ وَالْحُكْمُ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْوَطْءِ الْحَرَامِ فَيَتَحَقَّقُ زَوَالُ الْفِرَاشِ إلَيْهَا بِالْعِتْقِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى أَوْ أَعْتَقَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ قَدْ اُعْتُرِضَ عَلَى فِرَاشِهِ فِرَاشُ الزَّوْجِ وَفِرَاشُ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ الْمِلْكِ فَيَنْعَدِمُ الضَّعِيفُ بِالْقَوِيِّ، وَإِذَا انْعَدَمَ لَمْ يَتَقَرَّرْ بِالْعِتْقِ سَبَبُ وُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ زَوَالُ فِرَاشِهِ إلَيْهَا. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute