للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَابِلَةُ بِالْوِلَادَةِ، ثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدِ بِشَهَادَتِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وِلَادَتُهَا، وَقَدْ صَارَ مَحْكُومًا بِهِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ.

وَشَهَادَةُ الْقَابِلَةِ فِي حَالِ قِيَامِ الْفِرَاشِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَغَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إنْ كَانَ بِهَا حَبَلٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ عَلَى وِلَادَتِهَا، صَارَتْ هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ: هُوَ لَيْسَ مِنِّي وَلَا أَدْرِي وَلَدْته أَمْ لَا فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ، حُكِمَ بِاللِّعَانِ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ حُرًّا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَإِذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةً فِي حُكْمِ اللِّعَانِ وَالْحَدِّ، فَلَأَنْ تُجْعَلَ حُجَّةً فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ أَوْلَى.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: شَرْطُ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ كَنَفْسِ الطَّلَاقِ، وَتَأْثِيرُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَإِنَّمَا يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ.

وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوَاضِعَهَا، وَالضَّرُورَةُ فِي نَفْسِ الْوِلَادَةِ وَمَا هُوَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَالْوِلَادَةُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ وَالْحُكْمُ الْمُخْتَصُّ بِالْوِلَادَةِ أُمِّيَّةُ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ، وَاللِّعَانُ عِنْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ، فَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَيْسَ مِنْ الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالْوِلَادَةِ وَلَا أَثَرَ لِلْوِلَادَةِ فِيهِ بَلْ إنَّمَا يَقَعُ بِإِيقَاعِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَنَسَبُ الْوَلَدِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْوِلَادَةِ مَعَ أَنَّ النَّسَبَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِعَيْنِ الْوَلَدِ فَإِنَّ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ، وَبِأَنْ يَجْعَلَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ حُجَّةً فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ حُجَّةً فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ كَمَا بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَفُلَانَةُ مَعَك.

وَلَوْ كَانَ الزَّوْجُ أَقَرَّ بِأَنَّهَا حُبْلَى ثُمَّ قَالَ لَهَا: إذَا وَلَدْت، فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ قَدْ وَلَدْت، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ وِلَادَتُهَا، وَذَلِكَ مَا يَقِفُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ نَسَبَ الْوِلَادَةِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الزَّوْجُ بِالْحَبَلِ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: عُلِّقَ الطَّلَاقُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ خَبَرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْحَبَلِ بِهَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>