بِأَنْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ مِنْهُ؛ لِوُجُودِ قَصْدِهِ إلَى إبْطَالِ حَقِّهَا بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِمَالِهِ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَهُوَ مَرِيضٌ لَمْ تَرِثْهُ عِنْدَنَا؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: تَرِثُهُ، وَهَذَا، وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا غَدًا، ثُمَّ مَرِضَ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ
فَأَمَّا إذَا عَلَّقَ بِفِعْلِهَا، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، وَالْفِعْلُ فِعْلٌ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ كَدُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ أَجْنَبِيٍّ فَفَعَلَتْ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا أَقْدَمَتْ عَلَى إيجَادِ الشَّرْطِ مَعَ اسْتِغْنَائِهَا عَنْهُ فَقَدْ صَارَتْ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا عَنْ مَالِهِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فِعْلًا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَكَلَامِ الْأَبَوَيْنِ، أَوْ أَحَدٍ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى إيجَادِ هَذَا الشَّرْطِ؛ فَلَا تَصِيرُ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ رَاضِيَةً بِسُقُوطِ حَقِّهَا مِنْ مَالِهِ، وَتُقَاضِي دَيْنَهَا مِنْ الْفِعْلِ الَّذِي لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، إذَا كَانَتْ تَخَافُ فَوْتَ حَقِّهَا بِتَرْكِ التَّقَاضِي، فَأَمَّا إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَفَعَلَتْ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَا إشْكَالَ أَنَّهَا لَا تَرِثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْ الْفِعْلِ بُدٌّ فَلَهَا الْمِيرَاثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا مِيرَاثَ لَهَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ حِينَ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ؛ فَلَا يُتَّهَمُ بِقَصْدِهِ الْفِرَارَ، وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْهُ صُنْعٌ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَنْعَدِمَ رِضَاهَا، أَوْ فِعْلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا لَا تَجِدُ مِنْهُ بُدًّا؛ فَيَكُونَ هَذَا كَالتَّعْلِيقِ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، أَوْ بِمَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ لَا تَرِثُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَهُمَا يَقُولَانِ: هِيَ مُضْطَرَّةٌ إلَى الْإِقْدَامِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ؛ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تُقْدِمْ تَخَافُ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَخَافُ الْعُقُوبَةَ، وَإِنْ أَقْدَمَتْ سَقَطَ حَقُّهَا فَكَانَتْ مُضْطَرَّةً مُلْجَأَةً، وَهُوَ الَّذِي أَلْجَأَهَا إلَى ذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُلْجَأَ يَصِيرُ آلَةً لِلْمُلْجِئِ، وَالْفِعْلُ فِي الْحُكْمِ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمُلْجِئِ كَالْمُكْرَهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ فَبِهَذَا الْمَعْنَى تَصِيرُ كَأَنَّ الْفِعْلَ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ حُكْمًا فَلَهَا الْمِيرَاثُ.
(قَالَ): وَإِذَا بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ فِي مَرَضِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِيلَاءُ مِنْهُ فِي مَرَضِهِ فَلَهَا الْمِيرَاثُ إذَا مَاتَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْإِيلَاءِ فِي صِحَّتِهِ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى فِي الْمَعْنَى يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إنْ مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وَلَمْ أَقْرَبِك فِيهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي التَّعْلِيقِ بِمَجِيءِ الْوَقْتِ أَنَّهُ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمَرَضِ، فَلَهَا الْمِيرَاثُ، وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الصِّحَّةِ، فَلَا مِيرَاثَ لَهَا، فَكَذَلِكَ فِي الْإِيلَاءِ، وَلَوْ قَالَ الْمَرِيضُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَتْ، أَوْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ تَرِثْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِسُقُوطِ حَقِّهَا فَكَأَنَّهَا سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ، أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute