للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِانْفِرَادِ فَإِنْ شَاءَتْ إحْدَاهُمَا عَتَقَتْ الَّتِي شَاءَتْ؛ لِأَنَّ مَشِيئَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ شَرْطُ عِتْقِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: أَيَّتُكُمَا شَاءَتْ، وَلَمْ يَقُلْ شَاءَتَا جَمِيعًا عَتَقَتَا فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت إحْدَاهُمَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ، وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ فَإِنْ كَانَ نَوَى إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا عَتَقَتْ هِيَ، وَإِنْ نَوَى إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إحْدَاهُمَا فَيُعْتِقَهَا، وَيُمْسِكَ الْأُخْرَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَعْتَقَ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا.

وَلَوْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ، وَلَهُ عَبِيدٌ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ، وَمُكَاتَبُونَ عَتَقُوا جَمِيعًا إلَّا الْمُكَاتَبِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تُوجِبُ التَّعْمِيمَ، وَقَدْ أَوْجَبَ الْعِتْقَ لِكُلِّ مَمْلُوكٍ مُضَافٍ إلَيْهِ بِالْمِلْكِيَّةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ لِي، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَبِيدِ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُدَبَّرِينَ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رِقًّا، وَيَدًا حَتَّى يَمْلِكَ اسْتِغْلَالَهُمْ وَاسْتِكْسَابَهُمْ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْمُكَاتَبِينَ؛ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُمْ رِقًّا لَا يَدًا بَلْ الْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ يَدًا حَتَّى كَانَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ، وَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إكْسَابَهُ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ لَا يَكُونُ ثَابِتًا مُطْلَقًا فَلِهَذَا لَا يَدْخُلُونَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ، فَإِنْ نَوَاهُمْ فَنَقُولُ: الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُضِيفُ إلَى نَفْسِهِ مَا يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ نَوَيْت السُّودَ مِنْهُمْ دُونَ الْبِيضِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ هُنَاكَ نَوَى التَّخْصِيصَ بِوَصْفٍ لَيْسَ فِي لَفْظِهِ، وَلَا عُمُومَ لِمَا لَا لَفْظَ لَهُ، فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ وَهُنَا نَوَى التَّخْصِيصَ فِيمَا فِي لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ حَقِيقَةٌ لِلذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ، فَإِنَّ الْأُنْثَى يُقَالُ لَهَا: مَمْلُوكَةٌ وَلَكِنْ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِمْ لَفْظُ التَّذْكِيرِ عَادَةً فَإِذَا نَوَى الذَّكَرَ فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمُسْتَعْمَلِ، فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَلِهَذَا قِيلُ: لَوْ قَالَ: نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ كَانَتْ نِيَّتُهُ لَغْوًا.

(قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ يَقُولُ: إذَا قَالَ لَمْ أَنْوِ الْمُدَبَّرِينَ لَمْ يَدِنْ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا فِي الْقَضَاءِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَجْهُ تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ بِمَا لَيْسَ فِي لَفْظِهِ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ، وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي إضَافَتِهِ إلَيْهِ بِالْمِلْكِيَّةِ، وَالْيَدِ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ إضَافَتَهُ إلَى الْمَوْلَى بِرِقِّهِ، وَالتَّدْبِيرُ يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ نُقْصَانٍ فِي رَقِّهِ، وَلِهَذَا قِيلُ: الْمُدَبَّرُ مِنْ، وَجْهٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>