نَفْسِهِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا أَوْ لِمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْجَوَارِي يَكُونُ يَمِينًا، فَكَذَلِكَ التَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إلَى سَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ، فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا يَثْبُتُ مَا عَلَقَ بِهِ مِنْ التَّحْرِيم، فَكَذَلِكَ فِي الْجَوَارِي، ثُمَّ مَعْنَى الْيَمِينِ فِي هَذَا اللَّفْظِ يَتَحَقَّقُ بِالْقَصْدِ إلَى الْمَنْعِ أَوْ إلَى الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ عَلَامَةَ فِعْلِهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ قَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ يَمِينًا، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ: هُوَ كَافِرٌ إنْ فَعَلَ كَذَا كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْكُفْرِ حُرْمَةٌ تَامَّةٌ مُصْمَتَةٌ كَهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا جَعَلَ فِعْلَهُ عَلَامَةً لِذَلِكَ كَانَ يَمِينًا، فَأَمَّا إذَا قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ أَوْ يَسْتَحِلُّهَا أَوْ الدَّمَ أَوْ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ إنْ فَعَلَ كَذَا، فَهَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ بِحُرْمَةٍ تَامَّةٍ مُصْمَتَةٍ، حَتَّى أَنَّهُ يَنْكَشِفُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هُوَ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إنْ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْعَجْزِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْنَى الْيَمِينِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَوْ أُلْحِقَ بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ لَكَانَ قِيَاسًا، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يَكُنْ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْيَمِينِ، وَلَوْ قَالَ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ أَمَانَةُ اللَّهِ، أَوْ عَذَّبَهُ اللَّهُ بِالنَّارِ، أَوْ حَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ إنْ فَعَلَ كَذَا فَشَيْءٌ مِنْ هَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا، إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: ١١]؛ وَلِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّنْ يَقُولُ: وَسُلْطَانِ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَقَالَ: لَا أَدْرِي مَا هَذَا، مَنْ حَلَفَ بِهَذَا فَقَدْ أَشَارَ إلَى عَدَمِ الْعُرْفِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْجَوَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِالسُّلْطَانِ الْقُدْرَةَ فَهُوَ يَمِينٌ، كَقَوْلِهِ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ، وَلَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ حَجَّةً أَوْ عُمْرَةً أَوْ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ صَدَقَةً، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ إنْ فَعَلَ كَذَا فَفَعَلَ لَزِمَهُ ذَلِكَ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَجِبْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَنَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ، كَقَوْلِهِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي، أَوْ رَدَّ غَائِبِي لَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَإِنْ عَلَّقَ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَبَيْنَ عَيْنِ مَا الْتَزَمَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَدِيدِ، وَقَدْ كَانَ يَقُولُ فِي الْقَدِيمِ: يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute