للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} [الحديد: ٢٧] إلَى قَوْلِهِ {: وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: ١٦]، فَإِذَا جَعَلَ دُخُولَ الدَّارِ عَلَامَةَ الْتِزَامِ مَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْ الْتِزَامِهِ، يَكُونُ يَمِينًا، وَكَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ يُسَمَّى يَمِينًا.

يُقَالُ: حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَلِوُجُودِ اسْمِ الْيَمِينِ، وَمَعْنَاهَا قُلْنَا يَخْرُجُ بِالْكَفَّارَةِ، وَلِوُجُودِ مَعْنَى النَّذْرِ قُلْنَا: يَخْرُجُ عَنْهُ بِعَيْنِ مَا الْتَزَمَهُ بِخِلَافِ النَّذْرِ الْمُرْسَلِ، فَاسْمُ الْيَمِينِ وَمَعْنَاهَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الْمَنْعِ بَلْ قَصْدُهُ إظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيمَا جَعَلَهُ شَرْطًا، يُقَرِّرُ هَذَا أَنَّ مَعْنَى الْحَظْرِ يَتَحَقَّقُ هُنَا؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِالنَّذْرِ قِرْبَةٌ بِشَرْطِ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَعَدَ، فَأَمَّا بِدُونِ الْوَفَاءِ يَكُونُ مَعْصِيَةً. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٢]، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ هَلْ يَفِي بِهَذَا أَوْ لَا يَفِي فَيَكُونُ مُتَرَدِّدًا دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْكَفَّارَة، (فَإِنْ قِيلَ): هَذَا فِي النَّذْرِ الْمُرْسَلِ مَوْجُودٌ. (قُلْنَا): نَعَمْ وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ اسْمِ الْيَمِينِ لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَاسْمُ الْيَمِينِ لَا يُوجَدُ فِي النَّذْرِ الْمُرْسَلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ يَمِينٌ يَتَوَقَّفُ مُوجِبُهَا عَلَى تَنْفِيذٍ مِنْ جِهَتِهِ فَيَخْرُجُ عَنْهَا بِالْكَفَّارَةِ كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ مُوجِبُهَا عَلَى تَنْفِيذٍ مِنْ جِهَتِهِ، بَلْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَوْ شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا كَانَتْ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ هُنَا، وَلَوْ شُرِعَتْ الْكَفَّارَةُ كَانَتْ مَشْرُوعَةً خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنَّهُ تَمَّ عَلَى بَرِّهِ، وَذَلِكَ مَشْرُوعٌ، فَإِنَّهُ لَوْ تَمَّ عَلَى بِرِّهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ جَائِزٌ كَالْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَكَذَلِكَ إذَا حَلَفَ بِالْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ كَذَا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِالنَّذْرِ مَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَالْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ شَرْعًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ عَيْنُ مَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ الْمَشْيُ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ آخَرُ أَوْلَى وَهُوَ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ يُذْكَرُ هَذَا اللَّفْظَ بِمَعْنَى الْتِزَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَفِي النُّذُورِ وَالْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ، فَجَعَلْنَا هَذَا عِبَارَةً عَنْ الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكَلَامِ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ لِإِظْهَارِ مَا فِي بَاطِنِهِمْ، فَإِذَا صَارَ اللَّفْظُ فِي شَيْءٍ مُسْتَعْمَلًا مَجَازًا يُجْعَلُ كَالْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>