وَعَدَمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهِ عِدَةٌ؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشَّكِّ لَا يَثْبُتُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ مَا قَالَ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ الْإِيجَابَ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ دَلِيلُ الْإِيجَابِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ فِي الْمَنَاسِكِ.
وَإِذَا حَلَفَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا يَمْلِكُهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ»، وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَهْدِيَنَّ هَذِهِ الشَّاةَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْيَمِينِ خَبَرٌ فِيهِ رَجَاءُ الصِّدْقِ، وَذَلِكَ بِكَوْنِ الْفِعْلِ مُمْكِنًا، وَمَحِلُّ النَّذْرِ فِعْلٌ وَهُوَ قُرْبَةٌ، وَإِهْدَاءُ شَاةِ الْغَيْرِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ فَحِينَئِذٍ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ فِي النَّذْرِ مَعْنَى الْيَمِينِ حَتَّى ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ النَّذْرَ إلَى مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَعَنَى بِهِ الْيَمِينَ بِأَنْ قَالَ: لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ فُلَانًا، كَانَ يَمِينًا، وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ؛ لِقَوْلِهِ: «النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ»، وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ وَلَدِي، أَوْ أَذْبَحَ وَلَدِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَلْزَمُهُ ذَبْحُ شَاةٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّهُ إنْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْهَدْيِ، فَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْحَرَمِ، وَفِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ إمَّا أَنْ يَذْبَحَهَا فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَذْرٌ بِإِرَاقَةِ دَمٍ مَحْقُونٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَبِي أَوْ أُمِّي؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي سَمَّاهُ مَعْصِيَةً وَلَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ مَا يَمْلِكُ ذَبْحَهُ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ نَذَرَ ذَبْحَ مَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ، وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُ ذَبْحَهُ كَشَاةِ الْغَيْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، فَإِذَا نَذَرَ ذَبْحَ مَا لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ وَلَا يَمْلِكُ ذَبْحَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ: أَرَى عَلَيْك مِائَةُ بَدَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ: ائْتِ ذَلِكَ الشَّيْخَ فَاسْأَلْهُ، وَأَشَارَ إلَى مَسْرُوقٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَرَى عَلَيْكَ شَاةً فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَقَالَ: وَأَنَا أَرَى عَلَيْك ذَلِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ بَدَنَةً أَوْ مِائَةَ بَدَنَةٍ.
وَسَأَلَتْ امْرَأَةٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَتْ إنِّي جَعَلْتُ وَلَدِي نَحِيرًا. فَقَالَ: أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ. فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي بِقَتْلِ وَلَدِي، فَقَالَ: نَهَى اللَّهُ عَنْ قَتْلِ الْوَلَدِ، وَإِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ نَذَرَ إنْ تَمَّ لَهُ عَشَرَةُ بَنِينَ أَنْ يَذْبَحَ عَاشِرَهُمْ، فَتَمَّ لَهُ ذَلِكَ بِعَبْدِ اللَّهِ أَبِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَقْرَع بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَشْرٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute